١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“عناية أهل البيت عليهم السلام بشيعتهم” ملا هادي الساعي | ٦ محرم ١٤٤٣هـ

قال الله في كتابه المجيد: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”

ورد عندنا في الروايات الشريفة أن أهل البيت صلوات الله عليهم اسماء الله عز وجل، ومعنى أنهم اسماء الله أي أنهم المظاهر لتلك الاسماء الشريفة، فهم عليهم السلام مظهر صفات الله عز وجل، تجلي لصفاته، ومن صفات الله الرحمة فهم تجلي لرحمة الله، ظهور لرحمة الله عز وجل في هذه الأرض، لهذا يصف الله عز وجل نبيه في القرآن بالرحمة فقول “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، ويتصف أهل البيت بالرحمة كما نقرأ في الزيارة الجامعة “والرحمة الموصولة”، فهم مظهر لرحمة الله تبارك وتعالى.
هذا الظهور للرحمة يتمثل بجملة من الأمور منها عناية أهل البيت عليهم السلام بالناس عامة وخاصة، أما عنايتهم بالناس عامة فالروايات في ذلك كثيرة، منها ما ورد أن شاميًا جاء إلى المدينة المنورة بعد أن عبئ فكريا بغضا لأهل البيت سلام الله عليهم، فيرى الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه، فيسبه ويشتمه وعليًا بن أبي طالب سلام الله عليهما، والإمام ساكت لم يرد عليه، تركه إلى أن انتهى من افراغ مكنونات قلبه وما عبئ به، التفت اليه الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه وقال له “أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك -يعني ان استرضيتنا ارضيناك-، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لان لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا.” فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال “أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي وحول رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل.” وصار معتقدا لمحبتهم.
ما قام به هذا الرجل هو اعتداء على أهل البيت سلام الله عليهم، ولكن الإمام الحسن سلام الله عليه لم يرد على هذه الجريمة الشنعاء أن ينال من أمير المؤمنين سلام الله عليه وأن ينال من إمامه، ولم يعرض عنه، لكن قابله بالإحسان، ففرش له طريق الهداية؛ لأنه رحمة من رحمات الله عز وجل، له عناية بالناس عامّة. هذا مثال لرحمة الله التي تشكلت بعنايتهم سلام الله عليهم بالناس.

لكن هناك عناية من أهل البيت سلام الله عليهم خاصة بشيعتهم سلام الله عليهم، علي بن يقطين مثالا هذا الرجل العظيم من خاصة الإمام الكاظم سلام الله عليه وخلّص شيعته وأصحابه، الإمام الكاظم عليه السلام أذن له أن يعمل في وزارة دولة هارون شريطة أن لا يرد سائلا من الشيعة خاصة، وعمل على هذا الأساس، فكان يقضي حوائج المؤمنين.
في يوم من الأيام كان جالسا في داره، وإذا بالباب تُطرق، جاء الحاجب وقال لعلي بن يقطين أن هذا ابراهيم الجمال، وكان من شيعة الإمام الكاظم سلام الله عليه، يعمل في مهنة كانت تعتبر وضيعة في ذلك الوقت، يعمل جمّالا، مع الإبل، يطعمها ويسقيها ويتعامل مع فضلاتها، فالفت على بن يقطين للحاجب وقال له أن يخبر ابراهيم أنه مشغول الآن والتيأتي في وقت آخر، مرت الأيام وجاء موسم الحج، وذهب علي لحج بيت الله الحرام، فمرّ علي بن يقطين على الإمام الكاظم في المدينة وهو من خواص الإمام وإذا طلب الدخول الإمام يستقبله أحسن استقبال، فطرق باب بيت الإمام فحجبه الإمام عنه ولم يستقبله، فرآه في اليوم التالي فقال علي بن يقطين للإمام: يا سيدي ما ذنبي؟ فقال: حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال.
طبعا هذا الاستخفاف بالمؤمن من أعظم الذنوب والمعاصي، في يوم من الأيام أحد الأئمة المعصومين سلام الله عليهم يتحدث في جمع من الشيعة، فقال لهم: ما لكم تستخفون بنا؟ قال: فقام إليه رجل من خراسان فقال: معاذ لوجه الله أن نستخف بك أو بشئ من أمرك. فقال: بلى إنك أحد من استخف بي. فقال: معاذ لوجه الله أن أستخف بك. فقال له: ويحك أو لم تسمع فلانا ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك: احملني قدر ميل فقد والله أعييت، والله ما رفعت به رأسا ولقد استخففت به ومن استخف بمؤمن فينا استخف وضيع حرمة الله عز وجل.
فقال علي بن يقطين للإمام الكاظم: سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت وأنا بالمدينة وهو بالكوفة؟ فقال: إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك و غلمانك واركب نجيبا -النجيب هو النخبة من الدواب، وعادة تخص هذه اللفظة بالناقة الجبدة- هناك مسرجا. فذهب علي إلى البقيع وركب النجيب، ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة فقرع الباب وقال: أنا علي بن يقطين. فقال إبراهيم الجمال من داخل الدار: وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي؟ فقال علي بن يقطين: يا هذا إن أمري عظيم. وأصر عليه أن يأذن له، فلما دخل قال: يا إبراهيم إن المولى عليه السلام أبى أن يقبلني أو تغفر لي. فصفح عنه ابراهيم الجمال. ولكن لم يقف علي بن يقطين هنا، ولكنه استلقى على الأرض، ووضع خده عليها، وقال لابراهيم الجمال أن يدوس بنعله على خده الأخرى، فامتنع ابراهيم، ولكن أصر عليه علي بن يقطين إلى أن داس على خده، فقال علي: اللهم اشهد. ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر عليه السلام بالمدينة فأذن له ودخل عليه فقبله.
شطيطة أيضا رحمها الله، الإمام الكاظم لما جاءه هذا الذي جمع المال وأتى به للإمام الكاظك استحيا أن يقدم له درهم شطيطة فطواه -عوجه- ووضعه في احدى الأكياس، الإمام سلام الله عليه قال له أي يُرجع كل هذه الأموال التي وصلت إليه من أموال الأثرياء وغيرهم، وأن يُخرج الدرهم المخبأ عنده، فأعطاه للإمام سلام الله عليه. ونتيجة طلك أن الإمام عليه السلام لما ذهب لتجهيز شطيطة تبين أن كل من أرس له تلك الأموال ارتد عن ولاية أهل البيت عليهم السلام، وما بقي من أهل تلك المنطقة متمسكا بإمامة الإمام الكاظم إلا شطيطة.

ما نريد أن نصل له هو أننا إن شاء الله من شيعة أهل البيت سلام الله عليهم، وعلى الأقل من محبيهم ومواليهم، لن نقول أننا من الشيعة لأن هذا الاصطلاح له ضوابط معينة وشروط، أنا كمؤمن كيف أحصل على عناية أهل البيت عليهم السلام الخاصة كما حصل عليها علي بن يقطين وشطيطة وغيرهم من الشيعة؟
لدينا آية في كتاب الله عز وجل “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها”، أهل البيت صلوات الله عليهم عدل القرآن، ” إني تارك فيكم الثِّقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي”، فهم خير مطبق لكلام الله عز وجل وتعاليمه. جاءت جارية في يوم من الأيام لسيد الشهداء سلام الله عليه تقول الرواية قيمتها ألف دينار ذهب، فحيته بطاقة ريحان -مجموعة من ورق أشجار طيب الرائحة-، يعني قيمته بسيطة جدا، فقبل الإمام هذه الباقة منها واعتقها لوجه الله، جارية قيمتها ألف دينار قدمت للإمام شيئ بسيط، لكن طبق الإمام هنا القانون القرآني “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها”، فالهدايا على مقدار مُهديها.
هذا القانون دائما يطبقه أهل البيت سلام الله عليهم، فلما يرفع المؤمن يده ويدعو لإمامه الحجة عجل الله فرجه بالحفظ وتعجيل الفرج، والإمام ليس بحاجة لدعائنا وهناك وعد إلهي “ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين” فإلى أن يحين ذلك الوقت الله تبارك وتعالى بذاته جل جلاله هو المتكفل بحفظ إمامنا سلام الله عليه، إذن لماذا أدعو له؟ الإمام عجل الله فرجه يجيب “أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم”، كيف ندعوا للإمام ونحن من نسفيد؟ لأنك أنت لما تدعو لإمامك الحجة عجل الله فرجه، هنا تُطبق الآية، فدعو لك الإمام الحجة سلام الله عليه. فإذا دعا الإمام لي ولك ولزيد، حينئذ يصلح حالنا، وتصبح البيئة متهيئة لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه.
لما تقوم بتكرار أفض ذكر وهو الصلاة على محمد وأهل بيته سلام الله عليهم، فلا يظنن ظان ولا يتوهم متوهم بأن صلاتنا عليهم تنفعهم “إن الله وملائكته يصلون على النبي” فما قيمة صلاتي أنا مقارنة بصلاة الله عز وجل؟ وعلامة الإمام المعصوم استغناؤه عن كل الناس، واحتياج الكل اليه، لذلك نقرأ في الزيارة الجامعة “وجعل صلواتنا عليكم، وما خصنا به من ولايتكم، طيبا لخلقنا، وطهارة لأنفسنا، وتزكية لنا، وكفارة لذنوبنا” فنحن من نستفيد من هذه الأدعية لا الإمام. الإمام مقامه محفوظ، كيف أنا أكون الواسطة لزيادة مقام الإمام؟ الإمام هو من يكون واسطة لزيادة مقامي وليس العكس.

فكل ما يقوم به المؤمن لإمام زمانه سلام الله عليه من إقامة مجالس، وبذل أموال وجهود، هذا كله إنما يعود بالنفع عليه، الحصول على عناية أهل البيت عليهم خاصة سرها هو وجود علاقة ورابطة تربطك بإمام زمانك، فإذا قدمت لإمامك ووضعت حلقة وصل ورابطة بينك وبين الإمام حينئذ الإمام سلام الله عليه يعتني بك عناية خاصة، فضلا على العناية العامة التي يحصل عليها الجميع، أما إذا تريد عناية خاصة لابد أن يكون عندك ارباط متميز بأهل البيت سلام الله عليهم، لابد أن تكون لك علاقة وثيقة؛ لأنه “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها”، هم مظهر لرحمة الله عز وجل، أحد تجليهم لرحمة الله هو عنايتهم بشيعتهم صلوات الله وسلامه عليهم.
عودا على بدء، علي بن يقطين مالذي جعله يحصل على عناية الإمام سلام الله عليه؟ بحيث بطريق الاعجاز، بطي الأرض، يركب ذلك النجيب المسرج ويذهب ليصحح وضعه؟ لأنه كان مخلصا في نيته، قصد الإمام وسأله عن سبب حجبه عنه، ثم طلب المعونة، يعني علي بن يقطين لا يطيق أن تمر عليه لحظة لا يحظى برضى الإمام سلام الله عليه، لذلك الإمام سلام الله عليه أعطاه الحل ولو بطريق الإعحاز.شطيطة بسبب اخلاص نيتها وصلتها بالإمام مع أن الإمام ليس بحاجة لشيئ، لكن هذا إخلاص النية لابد أن يقبله أهل البيت بأحسن قبول.
فإذا كان أهل البيت عليهم السلام هكذا تعاملوا مع شيعتهم، فما ظنك برحمة الله عز وجل الواسعة؟ ما ظنك بسيد شباب أهل الجنة؟ وجدنا هذه العناية تتجلى بتعامله مع أصحابه صلوات الله عليه، هؤلاء الأصحاب سيد الشهداء يعطيهم ذلك الوسام يقول “فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي” خير الأصحاب، فهذا يدل على أن أصحابه بالمجمل أفضل حتى من أصحاب أمير المؤمنين سلام الله عليه.
الحر بن يزيد الرياحي مالذي جعله يرجع للإمام الحسين سلام الله عليه؟ من معادي لسيد الشهداء إلى واحد من الأصحاب الذين خلدهم التاريخ، وفُتل بين يدي الحسين سلام الله عليه في كربلاء، يقول الحر: نوديت ثلاثا: يا حر أبشر بالجنة، فالتفت فلم أرَ أحدا فقلت: ثكلت الحر أمه، يخرج إلى قتال ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ويبشر بالجنة؟ فقال له الحسين أن من هتف هو الخضر بشرك بالجنة، الذي جعل الحر ينقلب لمعسكر الإمام هو أنه تقرب بشيء إلى أهل البيت، يذكر التاريخ لما حان وقت الصلاة ما قبل أن يصلي بجيشه وصلى بصلاة الإمام سلام الله عليه، ولما قال له الإمام عليه السلام ثكلتك أمك، لم يردها عليه الحر لأنه ابن فاطمة سلام الله عليها. هذا المقدار من الارتباط جعل علاقة بينه وبين الإمام الحسين عليه السلام وبين الزهراء، فكانت سبيل لرجوعه إلى خط الحسين سلام الله عليه.
فلذلك يقول العلماء لا ترد أحدا من باب خدمة سيد الشهداء سلام الله عليه ومن مأتمه ولو كان أشد الناس عصيانا، لو كان منغمس من أم رأسه إلى أخمص قدميه بالذنوب والمعاصي لاترده من باب الإمام؛ لأن هذا الرابط بينه وبين سيد الشهداء قد يكون مدعاة لتوتبه ورجوعه. “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى