١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“القيم السلوكية في سيرة أهل البيت عليهم السلام” ملا هادي الساعي | ٨ محرم ١٤٤٣هـ

عند الوقوف على سيرة أهل البيت عليهم السلام، وعند النظر إلى بعض التصرفات التي كانوا يقومون بها ، وتحديدا تلك التصرفات المرتبطة بالجوانب السلوكية التي أرادوا أن بينوها. عند الوقوف على مثل هذا النوع من سيرة أهل البيت عليهم السلام فلا بد أن يلحظ أمران مهمان،

١- الأمر الأول: أن هذه التصرفات إنما هي مصاديق لقيم سلوكية أراد أهل البيت صلوات الله عليهم أن بينوها من خلال هذه التصرفات.
وبالتالي فإنه يمكن في كل زمان ومكان أن تطبق تلك القيم والخطوط العريضة التي أراد أهل البيت أن ثبتوها بما يتناسب والزمان والمكان الذي يعيشه الفرد، طبعا هذا كلام نظري سنأتي عليه بأمثلة إن شاء الله، فالأمر الأول أن هذه التصرفات إنما هي أمثلة على قيم أرادوا تثبيته.

٢- الأمر الثاني أن هذه القيم سواء التي أشار إليها أهل البيت من خلال تصرفاتهم أو ما صرحوا به تصريحا في كلماتهم لابد أن يحافظ عليها.
فتبقى محفوظة من كل عبث وتبقى محافظة على قيمتها كثروة أخذت من أهل البيت عليهم السلام على اختلاف الأزمنة والأمكنة، لابد أن تبقى تلك القيم محافظا عليها من كل تلاعب وعبث، كيف هذا؟
سنضرب مثال، ورد عن الزهراء فاطمة صلوات الله عليها أنها كانت تطحن بالرحى حتى مجلت يدها رب قائل يقول إنه ما له داعي لذكر مثل هذه الروايات في زماننا هذا لماذا يصر الخطباء على تكرارها؟ لماذا تذكر؟ لازالت تذكر في المحافل ويتحدث بها المتحدثون الآن في زماننا هذا. لا يوجد رحى انتهت هذه الآلة من الوجود، وإذا وجدت فباستخدام محدود جدا، لا يتناسب مع جمهور المستمعين فما الداعي لذكر هذه الرواية أن الزهراء كانت تطحن بالرحى حتى مجلة يداها؟ هذه الرواية ومثيلاتها كما هم يدعون فلتجمع وتوضع في خزانة ويغلق الباب عليها ولا تفتح بعد ذلك؛ لأنه في زماننا هذا لم نعد بحاجة إليها.
هذا كلام في غاية الخطورة أيها الأحبة لأنه كما هو واضح الزهراء عليها السلام حينما ورد أنها كانت تطحن بالرحى حتى مجلة يدها، فلم تكن تدعو سلام الله عليها إلى استخدام أداة الرحى بالذات، وإنما كانت تدعو إلى تثبيت قيمة عظيمة، وهذا ما ذكرنا أنه الأمر الأول الذي ينبغي أن يلحظ، أنها كانت تشير إلى قيمة بتصرفها هذا هذه القيمة هي عمل المرأة في البيت، خدمة البيت، خدمة زوجها، هذا التصرف يعكس تلك القيمة، فهذه القيمة يمكن حينئذ أن توظف بمصاديق أخرى مماثلة لطحن الرحى بما يتناسب مع زماننا بما يتناسب مع المكان الذي تعيش فيه المرأة، فهذه الروايات علاوة على كونها تراثا ينبغي الحفاظ عليها، إلا أنها أيضا تعكس قيمة سلوكية أراد أهل البيت أن يشيروا إليها .

الأمر الثاني أن هذه القيمة المستخلصة من تصرف الزهراء مثلا الآن، وهي عمل المرأة في البيت وخدمة الزوج والأولاد، هذه قيمة أشارت إليها الزهراء بتصرفها، أو القيم الأخرى التي صرحوا بذكرها، كقول الزهراء عليه السلام أن لا ترى رجلا ولا يراها رجل، هذه القيم طال الزمان أو قصر الآن وبعد عشر سنوات وبعد 100 سنة وبعد ألف سنة هي عنوان وخطة عمل مثلى، أرادت الزهراء عليه السلام أن تبينها للمرأة المؤمنة لتنشئة أسرة صالحة، فإذا وجدت المرأة نفسها أو العائلة نفسها في زمان أو مكان أو وقت لا تتمكن من تطبيق هذه القيم وتوظيفها على أرض الواقع أو لا تريد ذلك لسبب أو لآخر -ولسنا بصدد التدخل في النيات، وإنما حديثنا عن الحفاظ على القيم-  فإنه لا بد أن تبقى هذه القيم محفوظة، لا أن يتلاعب بها، فتكون هذه القيم حينئذ يدعى أنها غير صالحة لزماننا بدعوى أن الزمن قد تغير وأنه لا بد من عدم ذكرها بعد الآن، هذا غير صحيح وهذا أمر في غاية الخطورة، التلاعب بهذه القيم أيها الأحبة ماذا ينتج عنه؟
ينتج عنه أنه الآن نحن في زماننا صارت المرأة المكافحة والنشيطة والمثابرة والمجتهدة هي التي يشار إليها بالبنان، وصارت تكرم بالمحافل ويشاد بذكرها ليلا نهارا، هي المرأة التي عملت خارج المنزل طلبت الوظيفة والمهنة خارج البيت، وصارت المرأة التي ينظر إليها نظرة دونية، نظرة استحقار واستنقاص، وأنها لم تواكب التطور في المجتمع، وأنها مسكينة مستضعفة مغلوب على أمرها قدراتها وإدراكاتها محدودة، هي المرأة التي اختارت أن تطبق تلك القيم التي أشار إليها أهل البيت بأن تبقى المرأة في بيتها لتنشئة جيل صالح، وليس هذا الذي يحدث في زماننا.
الآن الإشادة كلها بمن تخرج خارج البيت، تذهب إلى الوظيفة وتشارك الرجل في أعباء الحياة، أما المرأة داخل البيت فلا ينظر لها إلا نظرة دونية، في حين أن الجهد الذي تقوم به المرأة في البيت وما تقوم به من مهمة عظيمة لا يضاهيه جهد، ولا تضاهيها مهنة، وهي أشرف قدرا ومكانة من أي مهنة أخرى تختارها المرأة.
العبث بهذه القيم يولد مثل هذه الأفكار التي الآن موجودة ومترسخة في مجتمعنا، نحن لسنا ضد خروج المرأة من المنزل، خروجها من المنزل في ذاته ليس حراما، بقاؤها في البيت في ذاته ليس حراما، ولكن إذا أرادت المرأة أن تخرج من البيت فلا بد أن تلاحظ أمرين.

١- الأمر الأول الالتزام بالحجاب.
الحجاب وفق الضوابط الشرعية والضوابط الفقهية التي أشار إليها الفقهاء، وهذا الذي بصراحة في زماننا قل ما تجد له مطبقا، لا سيما عند الفتيات، أما الحجاب عند من بلغن التاسعة التي تعامل كطفلة لا تعامل كامرأة، شرعا وما يريده الدين، ما يريده أهل البيت سلام الله عليهم، الطفلة إذا بلغت تسع سنوات لا تعامل كامرأة، لازالت تعامل كطفلة تبلغ عشر سنوات.
الفتيات حجابهن مع الأسف، واذهب إلى المناطق والقرى وانظر ولا أقصد أن تتمعن، وإنما هذه النظرة العامة التي يعبر عنها رسول الله ” لك أول نظرة، والثانية عليك ولا لك” هذه التي تقع عينك من غير قصد كأي شيء آخر تراه في المجتمع، ترى أن الفتاة تلف رأسها بخرقة رقيقة، بحد الشعر وطرف الأذن، عند أدنى حركة بسيطة إما أن يكشف شيء من الشعر، أو الأذن أو الرقبة، فإذا رفعت يدها أرادت أن تعدل حجابها وإذا بلباسها الذي لم يكن ساترا بما فيه وإذا به يرتخي فيكشف عن ساعدها أي حجاب هذا؟ هل هذا الحجاب الذي أراده أهل البيت سلام الله عليهم؟
نحن في عشرة محرم وفي غيرها من المجالس الحسينية حينما نذكر أهل البيت هل نذكرهم فقط كنماذج للافتخار؟ أننا ننتسب إليهم؟ أو أن ننظر إليهم كنماذج واقعية عملية للتطبيق؟ هنا المحك، هنا كل مؤمن لا بد أن يسأل نفسه: أنا حينما أقف على سيرة الزهراء حينما أقف على سيرة أمير المؤمنين أنظر إليه شيئا من عالم المثال من عالم لا يمكن الوصول إليه أم أنه واقع يمكن تطبيقه؟إذا كنا ننظر إليهم كأي تحفة توضع على الرف للافتخار والزينة والتزين هذا لا يكفي، أما إذا أردنا أن نستوفي ما أراد أهل البيت سلام الله عليهم أن نستوفيه من سيرتهم، فحينئذ لا بد من أن ننظر إليهم كمثال عملي قابل للتطبيق والتوظيف على أرض الواقع،

فأول أمر تلحظه المرأة عند خروجها الالتزام بالحجاب.

الذي هو الآن شيئا فشيئا في تردي، سابقا كانت العباءة الزينية هي الحجاب الأمثل لدى النساء، شيئا فشيئا صار ما الداعي للعباء الزينبية؟ سألبس عباءة الكتف، وقد قال بعضهم أنها أكثر سترا من العباءة الزينبية وهي ليست بكذلك، ثم بعد قليل مرور السنوات صارت هذه عباءة الكتف مزينة مزخرفة مخصرة تفصل ملامح الجسم تبدي بعض المفاتن، بعد ذلك تُخلي عنها، صار البعض بالنسبة إلى الحجاب عبارة عن بنطال وقميص وشيلة تُربط على الرأس، أي حجاب هذا؟ هو هذا ما أراد أهل البيت سلام الله عليهم؟

٢- الأمر الثاني أن المرأة إن وجدت نفسها إما غير قادرة على تطبيق هذه القيم لاضطرار أو غيره، أو أنها لا تريد أن تطبق هذه القيم لأنها تجد نفسها شاذة غريبة عن قريناتها،  كما يقال أن شاب مؤمن ذهب لخطبة امرأة، فصار حديثٌ بينه وبين والدها ،قال له يا عم أريد أن تكون زوجتي المستقبلية ربة منزل، وأنا إنسان مقتدر، قادر على توفير ما تحتاج إليه، لكن أريد امرأة تحفظ لي بيتي، تربي لي أطفالي تربية صالحة، حتى حينما يكبرون عندهم مرجع يرجعون إليه، لما الطفل يكبر يدخل إلى المدرسة عمره ٦ سنوات ويلتقي بأطفال من مختلف المشارب ومختلف العوائل ومختلف الثقافات لا يتأثر، شيئا فشيئا يكون عنده شيء يرجع إليه، ان وجد أمرا عند أحد يستفهم عقله ويستفهم ما يدور في عقله منه و هو الأب والأم ، فكان جواب الأب أنه ما تطلبه يا بني أمر شاذ، بنتي طموحة، تريد أن تكمل دراستها وتخرج إلى معترك الحياة.

المشكلة هنا لما يعتبر هذا الأمر المشروع الذي هو الأفضل وفق قيم أهل البيت سلام الله عليهم حينما يبات أمرا شاذا في مجتمعنا، هنا المشكلة وهنا الخلل الذي يحتاج إلى علاج وإلى إصلاح جيد فالآن هذه القيم المرأة إذا أرادت أن تتركها فلا بد أن تبقى معتقدة أنها هي القيم التي يريدها أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، لا تبدل، لا تعطل لا تغير، تبقى هي القيم المثلى والأصح طال الزمان أو قصر، أنها هي القيم التي لا بد أن تحفظ، فإذا اضطرت المرأة إلى تغييرها بقصد أو بغير قصد، والعمل بما يخالفها لا بد أن لا تُضرب تلك القيم لأن لا يهدم المجتمع الأسرة بحاجة إلى من يقومها، بحاجة إلى من يحافظ عليها.

أين مقصودنا من هذا الكلام؟ إذا لاحظتم أيها الأحبة السيرة التاريخية، فإنكم تجدون أن كل من تلبس بالدور إلهي، كل من وفق لنصرة الإمام المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، كل من كانت له يد طولى في الالتفاف حول أهل البيت سلام الله عليهم، كانت أمه أما نجيبه أمه، أما طاهرة متميزة، ليس فقط في ولائها القلبي، بل في تطبيقها العملي لما أراده أهل البيت سلام الله عليهم.

فهذا أبو الفضل العباس، أمير المؤمنين يخاطب عقيل يقول أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا. هذا نموذج، في المقابل وعلى النقيض من ذلك، سيد الشهداء سلام الله عليه يخاطب ذلك الرجل في كربلاء يقول: يا ابن راعية المعزى. هل الإمام سلام الله عليه قصده فقط السباب والشتائم؟ لو يريد يشير إلى قيمة عظيمة؟ أو أنه يريد أن يقول مثلما العباس وقف إلى جانب الحسين في كربلاء كان ابنا لأم البنين صلوات الله عليها، ذاك الرجل كان ابن راعية المعزى، والمعنى معروف، سيد الشهداء حينما يقف أمام ذلك الرجل يقول له يا بن الزرقاء لماذا يشير إلى أمه؟ أليس لأن الأم لها دور عظيم؟
تعال إلى بعض الأبطال ممن كانوا حول أهل البيت سلام الله عليهم، حتى تعرف عظمة دور الأم في تنشئة الولد، محمد بن الحنفية رجل جليل القدر، وعلماؤنا بينوا وأنه حتى بعض الروايات التي وردت يظهر منها شيئا من القدح، فإنها تبيَّن بخلاف ذلك؛ لوجود روايات مادحة لها معنى وتأويل، محمد بن الحنفية في حرب الجمل، الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه يأمره أن يأخذ الرمح فيعقر الجمل، راح محمد بن الحنفية منعه القوم من الوصول، رجع وإذا بالإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه أخذ الرمح من يدي محمد بن الحنفية، ذهب إلى الجمل وعقره، وما رجع إلا والرمح فيه أثر الدماء، تقول الرواية فتمعر وجه محمد بن الحنفية، يعني بدا عليه الانكسار والأذى، كيف جبُنت عن مثل هذا العمل؟ التفت إليه أمير المؤمنين كأنما أراد يطيب خاطره، فقال له أنت ابن علي بن أبي طالب، ولك الحق أن تفخر لكن الإمام الحسن ابن رسول الله صلى الله عليه، أليس الإمام الحسن أبوه أمير المؤمنين؟ لكن أمه فاطمة سلام الله عليها، وليست خولة الحنفية، التي هي أم محمد بن الحنفية.

فإذن الأم لها دور كبير، علي الأكبر سلام الله عليه أمه ليلى وما أدراك من ليلى، لذلك الإمام السجاد أشار إلى هذا الأمر في خطبته قال “أنا ابن قليلات العيوب نقيات الجيوب”. أشار إلى قيمة العفة الموجودة عند أمه وعند جدته الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها.
ومن هنا نعلم أن أمهات الأنبياء كلهن كانوا من الطيبات الطاهرات التقيات، آمنة سلام الله عليها، فاطمة بنت أسد، وغيرهن، كلهن كانوا القمة في القرب من الله عز وجل، والقمة في امتثال تعاليم أهل البيت عليهم السلام، هكذا ينشأ جيل صالح بوجود أم صالحة، وأب صالح كذلك.
من هنا تعلم أن القاسم سلام الله عليه أي أم كانت عنده، بحيث يقف أمام الحسين صلوات الله عليه ويسأله: يا بني كيف الموت عندك؟ يقول له: يا عم أحلى من العسل. أم عظيمة صلوات الله عليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى