١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“أساليب التربية من المفهوم الإسلامي” ملا حسن الصالح | ٨ محرم ١٤٤٣هـ

قال الله في كتابه المجيد “وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم“ صدق الله العلي العظيم

ما هي الشخصية؟ هي عبارة عن اتجاهات، وأفكار وميول ورغبات ومن خلالها تتكون هذه الشخصية. فقد يتعرض شخصان لنفس الموقف فيغضب أحدهما بينما الثاني لا يتأثر بذلك.

وتتشكل الشخصية عبر عوامل عديدة منها الأسرة، فالوالدين بإمكانهما تدمير الولد، أو من خلالهما يمكن أن يكون إنسانًا سويًّا مستقيمًا. وخلال محاضرة الليلة والليلة التالية سيكون محور الحديث عن أربعة أركان للتربية. وليس بشرط أن يكون الابن صالحًا بعدها، ولنا بابن نوحٍ عليه السلام مثال لذلك. وقد بينها الإمام الصادق عليه السلام “فان أفلح وإلا فإنه من لا خير فيه”، فأن طبقت الأركان الأربعة وفلح فاشكر نعمة الله وإن لم يفلح فقد برأت ذمتك عند الله. والأركان الأربعة في التربية من بعد سبع سنوات.

١-الموعظة:
وهذا ما أكدت عليه الآية في مستهل المحاضرة. وقد تكون الموعظة دينية أو أخلاقية أو دنيوية. وتختلف هذه الموعظة بحسب الاتجاه. ومن خلال هذه الموعظة تعطي خلاصة التجربة، فطول عُمر الإنسان يمر من خلالها بالعديد من التجارب وهو ينقلها كموعظة. ويمكن تأكيد ثلاثة أمور من خلال هذه الموعظة.

أ- عدم استخدام العموميات:
ومثال على ذلك إخبار الابن بصلاح كل الأمور الحياتية بمجرد الصلاة، ولكنه يلاحظ بأن أموره لم تنصلح، أو يجد بأن بعض المصلين يكذب وما شابه ذلك، وبالتالي فإن الابن يفقد الثقة بالموعظة أو بالصلاة. ولذلك يجب تعديل وتوجيه الموعظة بأن الصلاة تساهم في تحسين أمور حياتك. والقرآن الكريم يعبر عن هذا المعنى”إن الإنسان خلق هلوعا ﴿19﴾ إذا مسه الشر جزوعا ﴿20﴾ وإذا مسه الخير منوعا ﴿21﴾ إلا المصلين ﴿22﴾ الذين هم على صلاتهم دائمون ﴿23﴾ والذين في أموالهم حق معلوم ﴿24﴾ للسائل والمحروم ﴿25﴾ والذين يصدقون بيوم الدين ﴿26﴾ والذين هم من عذاب ربهم مشفقون ﴿27﴾ إن عذاب ربهم غير مأمون ﴿28﴾ والذين هم لفروجهم حافظون ﴿29﴾ إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ﴿30﴾ فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ﴿31﴾ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ﴿32﴾ والذين هم بشهاداتهم قائمون ﴿33﴾ والذين هم على صلاتهم يحافظون ﴿34﴾ أولئك في جنات مكرمون ﴿35﴾” نلاحظ بأن الآيات لم تركز على الصلاة ولكن وضعت شروط للصلاة.

ب- إعطاء العلة والسبب.
فالجيل الحالي يناقش لكي يعرف العلة، والقرآن ذكر في الصلاة “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” فالآية أعطت العلة. وفي سيرة النبي صلى الله عليه وآله، جاء شاب وطلب أن يأذن الرسول له بالزنا، ولم يهدده الرسول صلى الله عليه وآله بنهاية أمره بالنار ولكن كلمه وقال له : اترضى ذلك لأمك؟ فقال الشاب: لا. ورد عليه الرسول صلى الله عليه وآله ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أفتحبه لأبنتك؟ فقال الشاب: لا والله يا رسول الله. فقال الرسول صلى الله عليه وآله ولا الناس يحبونه لبناتهم. أفتحبه لأختك؟ فقال الشاب: لا جعلني الله فداء لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ولا الناس يحبونه لأخواتهم. أفتحبه لعمتك أو لخالتك؟ فقال الشاب: لا. فقال الرسول صلى الله عليه وآله ولا الناس يحبون لخالاتهم. فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. ونرى هنا الموعظة القائمة على بيان العلة. وحادثة أخرى لشاب حديث الإسلام وصلى خلف رسول صلى الله عليه وآله فعطس أثناء الصلاة فقال: الحمد لله. ولما انتهت الصلاة يقول الشاب: جاء لي النبي صلى الله عليه وآله وما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن”

جـ-اشتمال الموعظة على التشويق.
نجد أن البنات في الاستماع للموعظة أكثر تقبلًا من الأولاد، ولذلك يجب أن تحوي الموعظة على التشويق، والاختصار المفيد، كضرب مثلًا للتقليد الأعمى بهذه القصة الرمزية لحمارين أعزكم الله، حيث يحمل الحمار الأول ملحًا والحمار الثاني اسفنجًا، وأرادا أن يعبرا النهر فنزل الحمار الذي يحمل ملحًا فذاب الملح واستطاع الخروج بسهولة، أما الحمار الثاني فقد امتص الاسفنج الماء فغرق. فتوصيل فكرة التقليد الأعمى بتشويق عن طريق قصة. وكذلك أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام يلتفت لابن عباس وهو يخصف نعليه فقال له: ما قيمة هذا النعل؟ فأجاب ابن عباس: لا قيمة لها. فقال عليه السلام: والله لأحب إليَّ من إمرتكم إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلًا. ونلاحظ هنا إعطاء الموعظة بتشويق وبمثال حسي.  ونرى الإمام الكاظم عليه السلام يلتفت إلى احد أصحابه وهو هشام“ قال : إن كان بيديك جوزة وقال عنها الناس بأنها لؤلؤة أينفعك ذلك؟ قال: لا. قال عليه السلام:  إن كان عندك لؤلؤة وقال الناس بأنها  جوزة أيضرك ذلك؟ قال : لا. قال عليه السلام : لا تلتفت لكلام الناس” فهنا موعظة مختصرة بها مثال حسي لتشبيه بين الجوزة واللؤلؤة.

٢-الحوار.
الكثير من الحوارات من الآباء والأبناء تكون من طرف واحد، كلام الأب واستماع الابن. وهذا ليس بحوار. فلابد من تبادل الأفكار من الطرفين. قائم على الأخذ والرد. ولابد أن نفرق بين إساءة الأدب أو غيرها في الحوار، فمناقشة الفكرة أو غيرها بهدوء لا يعد إساءة، ولكن لو ارتفع الصوت أو كلمات نابية فتكون من إساءة الأدب. ولكن تبادل الأفكار ومحاولة الإقناع دلالة على قوة الشخصية.
قد يكون الحوار في اختيار التخصص في الجامعة أو المدرسة، أو اختيار ألوان الملابس، وهذا لا إشكال فيه في الحوار. ولكن لو تعدى إلى الحلال والحرام كإقامة علاقة صداقة مع فتاة أو مصاحبة أصدقاء السوء. فلابد من استخدام السلطة هنا.  ولا ينبغي لنا أن نترك المحاولة أكثر من مرة في الموعظة والحوار، فلنا في النبي نوح عليه السلام نموذجًا، فنجده في آخر لحظة قُبيل الطوفان ما ترك ابنه وحاوره إلى اللحظة الأخيرة. والأقوى من ذلك محاورة الأعداء، فنجد الإمام الحسين عليه السلام يحاور عمر بن سعد في اليوم التاسع من شهر محرم فقال له الإمام الحسين عليه السلام “ويحك أما تتقي الله الذي إليه معادك، أتقاتلني وأنا ابن من علمت؟! يا هذا ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب إليك من الله. فقال عمر بن سعد: أخاف أن تهدم داري. فقال الحسين عليه السلام: أنا ابنيها لك. قال عمر: أخاف أن تأخذ ضيعتي. فقال الإمام الحسين عليه السلام: أنا أخلف عليك خيرًا منها من مالي بالحجاز. فقال عمر بن سعد: لي عيال أخاف عليهم. فقال الإمام الحسين عليه السلام: أنا اضمن سلامتهم. ثم سكت فلم يجب فانصرف عنه الإمام الحسين وهو يقول: ما لك ذبحك الله على فراشك سريعًا عاجلًا ولا ظفر لك يوم حشرك ونشرك فوالله إني لأرجو ألا تأكل من بر العراق إلا يسيرًا. فقال عمر بن سعد مستهزئًا: في الشعير عوض عن البر.
ونلاحظ كيف أن الإمام يبكي على دخول الأعداء النار، فنقول في الزيارة ”يا رحمة الله الواسعة وباب نجاة الأمة” وهو لم يدعوا على الأعداء إلا في موضعين، مع أن عمر بن سعد أمر بإحاطة النساء ومنع عنهم الماء، فأولهما بعد هذه المحاورة والثانية بعد أن برز علي الأكبر فقال الإمام الحسين مخاطبًا عمر بن سعد ”قطعت رحمي قطع الله رحمك”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى