١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“فلما آسفونا انتقمنا منهم” ملا هادي الساعي | ٩ محرم ١٤٤٣هـ

قال الله في كتابه المجيد “فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين”

ورد أن أهل البيت عليهم السلام أسماء الله، ومعنى ذلك أن ظهور معاني أسماء الله إنما يكون فيهم وبهم، فهم تجلي لصفات الله تبارك وتعالى وأمثاله العليا، ومثال على ذلك صفة الرحمة، فهم تجلي لرحمة الله تبارك وتعالى في هذه الأرض، وصفات الله كثيرة، فكما أن من صفاته الرحمة، كذلك من صفاته الغضب، من صفاته النقمة، “وأيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة” كما نقرأ في دعاء الافتتاح.
فالله تبارك وتعالى من صفاته الغضب، ولهذا قالت الآية فلما آسفونا انتقمنا منهم، آسفونا يعني أغضبونا، يعني حين أغضبونا انتقمنا منهم، ولا يخفى عليكم أنه حينما نقول ونصف الله عز وجل بالرضى والغضب والرحمة، فإننا لا نقصد هذا التغير في المزاج وفي الحالة العاطفية النفسانية التي تحصل عند الإنسان، فإن الله تبارك وتعالى منزه عن مثل هذه الكيفيات والمزاجيات تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، إلا أنه حينما نقول أن الله رحيم فإننا نقصد ما يترتب على الرحمة نقول أن الله غضب، فإنما نقصد ما ترتب على غضبه جل وعلا، كما أن الأم حينما ترحم ولدها ماذا تصنع له؟ تقوم برعاية أموره بقضاء حاجياته بالنظر فيما يحتاج إليه، هذا نتاج رحمة الأم بولدها.
فهذا من باب المجاز الله، رحيم يعني منعم يعني مفضل، وهكذا، ولهذا ورد في رواية عن الإمام الصادق سلام الله عليه في تفسير هذه الآية رواية طويلة ننقل منها محل الشاهد، قال “إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مدبرون فجعل رضاهم لنفسه رضى وسخطهم لنفسه سخطا”، وهذا عين ما قاله رسول الله “يا فاطمة إن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك”.
فكأنما هم مؤشر ودلالة على غضب الله عز وجل وعلى ما يترتب على هذا الغضب، ولهذا الروايات ذكرت لنا نماذج، كيف أنه بسبب استهزاء بعض الناس بأهل البيت عليهم السلام كان نتاج ذلك أن غضب الله ينزل على أيديهم صلوات الله عليهم بمن كفر واستهزأ، أما لماذا أحيانا ينزل غضب الله وأحيانا لا؟ هذا تابع لإرادته جل شأنه.

من هذه الشواهد قصة حصلت في زمن الإمام الهادي، المتوكل أرسل في طلب الإمام من المدينة إلى سامراء، و يحيى بن هرثمة كان أحد جلاوزة، المتوكل فأعطاه المتوكل كتابا، وأرسله في ٣٠٠ من الجنود لكي يذهبوا لاستقدام الإمام سلام الله عليه، وهو من يروي القصة، يقول: وخرجنا وكان في أصحابي قائد من الشراة -يعني الخوارج- وكان لي كاتب يتشيع وأنا على مذهب الحشوية -جماعة ليست من الشيعة أو السنة- وكان ذلك الشاري يناظر ذلك الكتاب وكنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق.
فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الأرض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون قبرا؟ فانظر إلى هذه البرية -البرية هي الصحراء الغير قابلة للسكن- أين من يموت فيها حتى يملأها الله قبورا كما تزعمون؟ فقال يحيى بن هرثمة للكاتب: أهذا من قولكم؟ قال الكاتب: نعم. قال يحيى: صدق أين من يموت في هذه البرية العظيمة حتى تمتلئ قبورا. وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا.
فلما وصل يحيى إلى منزل الإمام الهادي صلوات الله عليه قال لهم الإمام أن يبيتوا في المدينة، فلما دخل يحيى في اليوم التالي منزل الإمام رأى خياط عند الإمام يخيط ثيابا ثقيلة وهم في تموز أشد ما يكون من الحر، فقال الإمام للخياط: اجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد على الفراغ منها يومك هذا وبكر بها إلي في هذا الوقت. فتعجب يحيى مما رأى ودخل فيه شيء من الاستصغار للإمام.
يقول يحيى: فسرنا حتى وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور، ارتفعت سحابة واسودت، وأرعدت، وأبرقت حتى إذا صارت على رؤوسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور، فأخرج الإمام ملابسه الثقيلة وبرانسه ووضعها عليه، وقال الإمام لغلمانه: ادفعوا إلى يحيى لبادة وإلى الكاتب برنسا.
فأخذ البرد من الـ٣٠٠ جندي ٨٠ رجلا، فقال الإمام: يا يحيى أنزل أنت من بقي من أصحابك ليدفن من مات من أصحابك. فهكذا يملا الله هذه البرية قبورا.
فكأنما يكون إخبار علي بن أبي طالب من باب العلم بالأسباب والنتائج، فلما آسفون انتقمنا منهم، الذي يستهزئ بأهل البيت صلوات الله عليهم لا يكون مصيره إلى خير، قد تنزل عليه نقمة الله، صحيح أهل البيت سلام الله عليهم رحمة الله الواسعة، لكن من الخطأ أن يلاحظ هذا الجانب فقط.

من الخطأ أن يُقال كما قال أحدهم أنه يأجزم أن الحسين لو بقي على قيد الحياة لعفى عمن خرج لقتاله، قد يحصل هذا فعلا، أو لا، قد سيد الشهداء سلام الله عليه يجري على يديه غضب الله، نحن عندنا الإمام الحجة صلوات الله عليه شعاره يا لثارات الحسين، ماذا يعني هذا؟
يعني هل يمسح على رؤوس من قتل الحسين مثلا؟ لا لا بد للحق أن يقام لا بد للباطل أن يزهق، نعم نتعايش مع الجميع لكن مذهب الإسلام هو الذي نأخذ منه الثقافة الصحيحة التي بينها أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

روي عن علي يقطين أن هارون العباسي أقام مأدبة فحضر الإمام الكاظم وحضر وجملة من الناس، من خواص هارون العباسي، وكان ممن حضر ناموسا كان كلما مد الإمام الكاظم يده لرغيف الخبز يقوم ببعض الحركات فيطير الرغيف من يد الإمام، فما لبث الإمام أن رفع الإمام رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور فقال له: يا أسد الله، خذ عدو الله. يقول علي بن يقطين: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع، فافترست هذا الناموس فأغشي على هارون العباسي وجماعته.
بعد أن أفاق هارون قال للإمام: أسألك بحقي عليك، لما سألت الصورة أن ترد الرجل. فقال: إن كانت عصى موسى عليه السلام ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم، فإن هذه الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل. فلم يرجع هذا الأسد ما افترسه.

فبعض الأحيان أهل البيت سلام الله عليهم قد تنزل على أيديهم نقمة الله وغضبه وذلك للمصلحة، ولهذا ورد عن سيد الشهداء صلوات الله عليه في يوم العاشر من المحرم لما حفر خندقا حول الخيام كما تقول بعض الروايات، وأضرم فيه النار حفاظا على بنات الرسالة حتى تكون المواجهة من جهة واحدة، وإذا برجل قد أقبل يمتطي فرسه بجانب الخندق يحدث الحسين قال له حسين استعجلت نار الدنيا قبل نار الآخرة. والعياذ بالله هكذا يخاطب المولى أبي عبد الله الحسين.
الإمام لم يقل له سامحك الله، غفر الله لك، إن شاء الله تذهب إلى الجنة، لا الإمام سلام الله عليه قال اللهم أذقه حر نار الدنيا قبل حر نار الآخرة. يقول الراوي ما إن أتم الإمام دعوته وإذا بالرجل قد كبا به فرسه فسقط في الخندق واحترق بالنار.

فلا بد أن تلحظ هاتان الجنبتان وكل جوانب صفات الله في أهل البيت سلام الله عليهم.

ومن هنا تعلم أنه ليس غريبا وليس مستهجنا حينما الحسين سلام الله عليه دعا على القوم، نعم إذا استحقوا نزول العذاب يدعو عليهم، “اللهم اشهد على هؤلاء القوم” ولم يعني سيد الشهداء، كل أهل العراق، لا بل من خرج للحرب ضده، ومن ارتكبوا تلك الجرائم والمجازر التي يندى لها جبين الإنسانية.
“فقد برز إليهم غلام فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك محمد صلى الله عليه وآله، كنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه، اللهم فامنعهم بركات الأرض، وإن منعتهم ففرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترضي الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا “.
الإمام الحسين دعى على عمر بن سعد، لما الإمام الحسين عليه السلام سأل عمر بن سعد عن سببه خروجه للقتال، فرد عليه عمر: يا حسين إني أخاف أن تهدم داري بالكوفة، وتنهب أموالي. فرد عليه الإمام: أنا أبني لك خيرا من دارك. فلم يقبل بأي شيء مما عرضه عليه الإمام، إلى أن قال الإمام: ذبحك الله يا بن سعد على فراشك عاجلا، ولا غفر لك يوم حشرك ونشرك، فوالله إني لأرجو ألا تأكل من بر العراق الا يسيرا. فقال له عمر بن سعد مستهزئا: يا حسين إن في الشعير عوضا عن البر. يعد ذلك لم يحصل عمر على شيء مما أراد.
وكل من دعى عليه الإمام الحسين حصل على النقمة المعجلة في الدنيا قبل المؤجلة في الآخرة.

ولهذا قضية خروج الأكبر وعاطفة الإمام الحسين ليست فقط حب أب لولده، مع وجود القضية العاطفية “قل إنما أنا بشر مثلكم”، وحتى لما مات إبراهيم بن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله قال رسول الله “تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وانا بك يا إبراهيم لمحزونون”
هنا يتجلى الشق الثاني من الآية “يوحى إلي”، لكن البكاء والدمعة “إنما أنا بشر مثلكم”، فبكاء الإمام يبين لنا عظمة علي الأكبر سلام الله عليه، وفي الزيارة يقول الإمام: ” السلام عليك يا مولاي وابن مولاي، وسيدي وابن سيدي”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى