١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“التعامل مع الأحداث التاريخية” ملا هادي الساعي | وفاة السيدة رقية | ٥ صَفَر ١٤٤٣هـ

ملا هادي الساعي
وفاة السيدة رقية
٥ صَفَر ١٤٤٣هـ
مأتم آل معراج

ذكر التاريخ من أبناء الحسين الذكور ستة ثلاثة منهم كان اسمهم علي، فأكبرهم عمرا هو علي الأكبر سلام الله عليه، وكان متزوجا حينما أدرك كربلاء وكان له ذرية أيضا، وما ينشد من بعض الأشعار لا يتوخى فيها الدقة في مثل هذه الأمور فترى أنهم يذكرون بأنه مات دون العشرين عاما، ولا ضير في ذلك لأن الشعر لا يطلب فيه ذكر الحق كما هو، وإنما يقصد فيه في المقام الأول التفجع، وعلي بن الحسين السجاد عليه السلام وعلي الأصغر، وكان رضيعا ولد لساعته فأتي به للحسين عليه السلام يوم العاشر كما تذكر الرواية فأراد أن يجري عليه سنة الولادة فأصابه سهم فقتل عند الحسين صلوات الله عليه، وثلاثة أبناء آخرون جعفر وأمه من بني قضاعة، ومحمد وعبد الله الرضيع الذي كان له ستة أشهر في واقعة كربلاء.
وأما ما ذكر التاريخ من الإناث، فمنهن سكينة سلام الله عليها ،ومنهن فاطمة الكبرى التي كانت في كربلاء، ومنهن فاطمة الصغرى التي يذكر أنها كانت عليلة تركها الحسين عليه السلام في المدينة ، ومنهن سيدتنا رقية.
قبل أن نخوض في ثبات وجود السيدة رقية وإثبات مرقدها الشريف، الأهم هو التركيز على كيفية التعاطي مع القضايا التاريخية؛ حتى بعد ذلك لا تتجدد الإشكالات المشابهة في نسبة بعض المراقد إلى أبناء الأئمة عليهم السلام، أو في صحة ما جرى في بعض القضايا التاريخية سواء في كربلاء وغيرها من الأمور التاريخية، فعلينا أن نعرف ما هو المنهج الذي اتبعه العلماء والمحققون على أرض الواقع؟ وسنذكر ثلاثة نقاط فيما يرتبط بهذا السؤال.

  1.  الأمر الأول
    البحث في القضايا التاريخية لا ينبغي أن يكون نفسه البحث في القضايا الفقهية، وإذا أردنا أن نستخدم الأدوات التي يستخدمها الفقيه لإثبات صدور روايات الأحكام ذاتها لإثبات صدور الروايات التاريخية لما بقس من التاريخ شيء؛ لأن أكثر الروايات التاريخية إنما ورد مرسلة، وإن كان لها سند فإنه في الغالب ضعيف ولا يعتمد عليه باستخدام الأدوات التي تستخدم لما يرتبط بالأحكام الفقهية، وبالتالي الأمر المرتبط بما ورد في الكتب التاريخية أهون بكثير، فيكفي صدوره في كتاب معتبر ليكون الأخذ به ولو على نحو الاحتمال.
  2. الأمر الثاني
    الملاحظ أننا حينما نأخذ الأحداث التاريخية ونسلم بها مما ذكره أبناء العامة كالطبري وابن الأثير وغيرهما ممن سرد لنا الأحداث التاريخية، هذا في ذاته لا ضير فيه ما لم يقدح في شيء من مقام أهل البيت سلام الله عليهم، وما لم يخالف أمرا واضحا حصل اليقين فيه، فمجرد أخذ حدث تاريخي من المخالفين لمنهج أهل البيت لا اشكال فيه، لا سيما إذا كان الأمر مما يتعلق بفضائلهم أو مصائبهم صلوات الله عليهم؛ لأن هذا عكس المنهج السائد فمن وقف ضد أهل البيت لا يريد أن يذكر الجرائم التي ارتُكبت في حقهم، وفي نفس الوقت لا يريد بيان فضلهم، فإذا روى أحد المخالفين لأهل البيت شيئا في بيان مصائبهم أو فضائلهم فهذا دليل على صحة الرواية، لكن إذا كنا نأخذ الأحداث التاريخية من المخالف فإن من الإجحاف أن نترك ما ذكره المؤرخون من علمائنا المحققون المدققون في الروايات التاريخية  وإن كانت مرسلة، ولا شك أن الحرص عندهم أكبر على نقل كل ما هو دقيق وفيه جانب من الصحة.
  3. الأمر الثالث
    وهذا لعله الأهم من بين باقي الأمور، وهو أنه عندما نكون في مقام تكذيب خبر تاريخي تارة نقول إنه لم نجد دليلا ناهضا ولم نجد حتى قرائن تثبت صدور هذا الحدث، تارة نقول إننا وجدنا دليلا واضحا يثبت كذب هذا الخبر، والفرق بينهما واضح وذلك لأمرين.
    1. عدم الوجدان لا يعني عدم الوجود.
      إذا هذا الباحث والمحقق -بعد الفراغ من كونه أهلا لتحمل هذا الأمر- بعد البحث والتدقيق والبحث والسؤال لم يقف على دليل يثبت صحة خبر أو حدث لا يعني أنه لم يصدر، بل هذا دليل على عدم ثبوته عند الباحث، غيره ربما ثبت عنده، وأغلب الحوادث التاريخية مما جرى في ذكر الأحداث التاريخية لم يقم دليل على، وإنما لم يصل المحقق إلى دليل يثبت صحتها، فذا وجد دليل على كذبها حينئذ نسلم بعدم وقوعها، أما إذا لم يوجد دليل يبين صحتها فلا يحق لأحد أن يردها.
    2. ليس كل حدث تاريخي لم يدون في كتاب يعني أنه لم يقع.
      هناك الكثير من القضايا كانت محفوظة في صدور المؤمنين، وتناقلها الأخيال كابرا عن كابر، إلى أن وصلت إلى علمائنا الذين دونوها في كتبهم بعد أن تثبتوا من سندها ووثاقة رواتها، فليس كل ما لم يتم تدوينه كذب وافتراء، ربما دوِّن الخبر في كتاب ثم حُرق الكتاب مثل ما جاءنا من حوادث كثيرة لحرق مكاتب المسلمين.

هذا بالنسبة للمحقق، أما للشخص العادي غير المحقق، وغير الباحث في هذه الأمور يكون الدليل الذي وجده المحقق حجة عليه، فعلى أي أساس يقوم غير المحقق برفض خبر مع أن عددا من المحققين وجد له دليل.

الأمر الآخر المُراد بيانه هو فيما يرتبط بتشخيص الأحكام الخارجية، فمثلا في الفقه الضابطة هي أنه إذا رؤي الهلال ثبت الشهر، هذه قاعدة، الموضوع هو عندما نسأل هل ثبت الهلال فعلا أم أنه لم يُرى؟ هذا تشخيص موضوع معين لا حكم، الحكم أنه إن رؤي الهلال ثبت الشهر، تشخيص الموضوع أنه هل رؤي أم لم يُرى؟ وذكر الفقهاء أمور للحكم على الرؤية مثل وجود البينة كشهادة عدلين، أو بالشياع، أو خبر الثقة المورث للاطمئنان الملازم لليقين، أما في بعض أبواب الفقه فالشهرة كافية، الميرزا جواد التبريزي عليه الرحمة يذكر أنه إذا اشترى المؤمن أرضا، ثم اشتهر بين الناس أنها موقوفة، فلا نحتاج لشهادة عدلين عندها، فالشهرة كافية هنا، ثم يعقب رحمة الله عليه ويقول إن المراقد والقبور من هذا القبيل، فتكفي الشهرة، واشتهر شهرة عظيمة بين عامة الناس والعلماء أيضا على صحة المرقد المنسوب إلى السيدة رقية صلوات الله عليها، وعلى أنها هي التي استشهدت في الشام في عمر ثلاث أو أربع سنوات.

والآن بعد بيان طريقة التعامل مع القضايا التاريخية وطريقة تشخيصها نأتي فنقول، يا ترى هل فعلا أن السيدة رقية وغيرها -فالبعض قال إنه هناك بنت واحدة فقط للإمام الحسين اسمها فاطمة وهناك الكثير من الكلام حول قبور أبناء أهل البيت- هل هناك ذكر لوجودها؟ هل هناك ذكر لمصيبتها؟
نعم، العلماء والمحققون يذكرون مصدرا من أبرز المصادر المنقول عنها في بيان وجود السيدة رقية سلام الله عليها وفي المصيبة التي جرت عليها، وهو كتاب كامل البهائي للحسن بن علي من محمد الطبري، ينقل عن كتاب اسمه الحاوية، ويظهر أنه ليس لأحد من أتباع أهل البيت ويذكر فيه مصيبة السيدة رقية، الشيخ عباس القمي أيضا ينقل هذه القضية عن الحاوية، وهذه المصادر ذكرت ان اسمها زينب ولكن هذا لا يمنع وجود أكثر من اسم لها، هذا يعد دليلا كافيا لإثبات صحة وجود بنت اسمها رقية للإمام الحسين عليه السلام.
أما في صحة نسبة المرقد إليها فالشهرة كافية، وهذا بغض النظر عن الأدلة الوجدانية، وإلا  قضاء الحاجات عندها وتيسيرها وقضية كشف قبرها والعثور على جسدها لم يتحلل، هذه أدلة يُطمأن بها، وأيضا زارها كبار علماء الطائفة ومنهم الميرزا جواد التبريزي، وسيد تقي القمي، والسيد محمد سعيد الحكيم رحمة الله عليهم، وغيرهم الكثير من علماء الطائفة.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى