١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“عرض الأعمال على النبي وآله عليهم السلام” ملا هادي الساعي | ١ محرم ١٤٤٣هـ

قال الله في كتابه المجيد “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”

ورد في سبب نزول هذه الآية المباركة ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا ذات يوم مع جمع من المسلمين، فقال عمار بن ياسر: وددت أنك عمرت فينا عمر نوح عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمار حياتي خير لكم ووفاتي ليس بشر لكم، أما في حياتي فتحدثون وأستغفر الله لكم، وأما بعد وفاتي فاتقوا الله وأحسنوا الصلاة علي وعلى أهل بيتي، وإنكم تعرضون علي بأسمائكم وأسماء آبائكم، وأنسابكم وقبائلكم، فإن يكن خيرا حمدت الله، وإن يكن سوى ذلك استغفرت الله لكم. فقال المنافقون والشكاك والذين في قلوبهم مرض: يزعم أن الاعمال تعرض عليه بعد وفاته بأسماء الرجال وأسماء آبائهم وأنسابهم إلى قبائلهم، إن هذا لهو الإفك، فأنزل الله تعالى “قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” فقيل له: ومن المؤمنون؟ قال: عامة وخاصة، أما الذي قال الله “والمؤمنون” فهم آل محمد.
إذن فحاصل هذه الرواية أن أعمال الخلائق أجمعين يطلع عليها رب العزة والجلال ويطلع عليها رسول الله صلى الله عليه وآله ويطلع عليها أهل البيت عليهم السلام، وهنا عندنا ثلاث وقفات.

  • الوقفة الأولى:

١- ما المراد من أن الله تارك وتعالى يرى عمل العبد؟ الآية عبّرت بالروئية “فسيرى الله”، ما المراد من قولنا الله يرى؟
أما في شأن الله عز وجل فلا شك أنه ليس المراد هي الرؤية بالعين، الله تبارك وتعالى لا يبصر كما نبصر نحن، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، ولو ابصر بالعين لكان مفتقرا إليها ومحتاجا إليها، والله تبارك وتعالى غني عن العالمين، الكل مفتقر إليه وهو غني عن الكل. فإذن لا بد أن تأول “الرؤية” باعتبار انه كاستعمال نَحَوي أيضا الرؤية ليست هنا من أفعال القلوب، لأنها إذا كانت من أفعال القلوب بمعنى العلم لأخذت مفعولين، ولكنها هنا لم تأخذ إلا مفعولا واحدا، فاستعمال اللفظة هنا حقيقي، يعني الرؤية بالعين.
ولكن لما فرغنا وثبت لدينا في عقيدتنا أن الله تبارك وتعالى لا يوصف بأنه يرى كرؤية العبد، فلا بد أن تأول الرؤية لمعنىً آخر وهو العلم، فالله تبارك وتعالى يرى عملكم يعني يعلم بعملكم، “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم” يعني فسيعلم الله بعملكم، فالرؤية بحق الله عز وجل في هذه الآية تعني العلم، الله يعلم، مطلع على أعمالنا.

٢- ما المراد من قولنا رسول الله يرى أعمالنا وأهل البيت يرون أعمالنا؟ ما معنى الرؤية في هذه الآية؟
لما استعملت لفظة الرؤية مرة واحدة في الآية، فأسندت الرؤية إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى أهل البيت عليهم السلام، لم تتعدد لفظة الرؤية، “فسيرى الله عملكم ورسوله المؤمنون”، لما ذكرت هذه اللفطة مرة واحدة وأسندت إلى الثلاثة لزمت أن يكون المراد منها معنىً واحدًا، لا يُطلق اللفظ ويراد منه أكثر من معنى في وقت واحد، ينسب إلى أكثر من جهة ويراد منه أكثر من معنى، لكل جهة معنىً مختلف في نفس الإطلاق. فلما ذكرت الآية كلمة يرى مرة واحدة، فالمراد أن الرؤية التي تثبت لله عز وجل هي نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله، وهي نفسها لأهل البيت عليهم السلام، ولا يمكن أن تحتمل معنيين في وفت واحد، معنى حقيقي وآخر مجازي، لا بد من قرينة حينئذ حتى تبين أن هذا له معنى وذاك له معنى آخر، والقرينة مفقودة. فلابد أن تكون رؤية الله عز وجل هي نفسها رؤية رسول الله وأهل البيت عليهم السلام، بمعنى العلم، فمعنى الآية يكون، وقل اعملوا فسيعلم الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
وهذا له نظائر في حياة أهل البيت عليهم السلام، ورد عندنا ان رسول الله صلى الله عليه وآله يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ماذا يعني أنه يرى من خلفه؟ هل معناه أن له عينان في خلف رأسه؟ لا، ليس هذا المراد، رسول الله سوي الخلقة، له عينان في وجهه الشريف، لكن المراد أنه يرى من خلفه بمعنى أنه لا يخفى عليه ما يجري خلفه، مطلع وعالم به، ومن هذا القبيل ما ورد أن رسول وأهل بيته عليهم السلام يرون في منامهم كما يرون في يقظتهم، يعني حينما ينامون وتغلق أجفانهم لا تغيب عقولهم، نومهم ليس مذهبا للعقل، لا أنهم يرون بأعينهم، فيعلمون مي يجري وهم نائمون.
فخلاصة هذه الآية أن المراد من الرؤية هو العلم.

سؤال قد يُطرح: الآية قالت “وقل اعملوا فسيرى الله” والسين تستخدم للإستقبال لا للماضي ولا للحاضر، إذا قلنا “فسيرى” هل هذا يعني أن الله لم يكن عالم بأني سأقوم بهذا العمل؟ فصار علما بعد جهل -والعياذ بالله-؟
الجواب: لا، وإنما الآية ناظرة على العلم المترتب بعد العمل، نضرب مثال لتوضيح الفكرة،المستمع مثلا كان يعلم أنع سيقام مجلس عصرا في الساعة الخامسة والربع، ثم جاء وحضر المأتم، فهو عالم بأن المجلس يقام الآن، حينما ينفض المجلس، فسيعلم المستمع عندها أن المجلس قد أقيم فعلا، فعلم المستمع بوجود مجلس لم يتغير، إقامة المجلس هو الشيء الذي تغير، فلما أقيم المجلس صار علم المستمع مترتبا على إقامته، كذلك الله عز وجل، عالم بأعمالنا قبل أن تقع، وحين وقوعها وبعده، لكن الآية ناظرة إلى ترتب علمه على قيام العمل وصدوره من العبد.

  •  الوقفة الثانية:

متى تعرض أعمالنا عليهم؟ ونخص بالذكر رسول الله وأهل البيت سلام الله عليهم.
 الروايات في ذلك متعددة، طائفة من الروايات ذكرت أن الأعمال تعرض في كل يوم وليلة، عبد الله بن أبان الزيات يدخل على الإمام الرضا سلام الله عليه وكان مكينا عنده فقال له: ادع الله لي ولأهل بيتي، قال له الإمام: أو لست افعل والله ان أعمالكم لتعرض على في كل يوم وليلة. فاستعظم عبد الله ذلك، فقال له الإمام: اما تقرء كتاب الله قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. طائفة أخرى من الروايات ذكرت أن الأعمال تعرض في كل اثنين وخميس، طائفة ثالثة ذكرت أن الأعمال تعرض على أهل البيت حين الوضع في القبر، يقول الإمام الصادق سلام الله عليه : ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمير المؤمنين صلوات الله عليهما. طائفة أيضا من الروايات ذكر أن الأعمال تعرض على أهل البيت عليهم السلام يوم القيامة، ورد في الرواية انه اذا كان يوم القيامة نصب لأمير المؤمنين صلوات الله عليه منبر عن يمين العرش فيه أربع وعشرون مرقاة، فيرتقيه امير المؤمنين وبيده لواء الحمد فيعرض عليه الخلائق من مؤمن وكافر، فإذن اوقات عرض الأعمال متعددة في روايات أهل البيت عليهم السلام، ومقتضى الجمع بينها أن الأعمال تعرض على أهل البيت وعلى النبي صلوات الله عليهم أجمعين في كل يوم وليلة، ومرة أخرى في يومي الإثنين والخميس، اضافة إلى ذلك عن الوضع في القبر، ومرة رابعة يوم القيامة، هذا ما وجدناه في روايات أهل البيت.

  • الوقفة الثالثة:

لماذا تعرض الأعمال على رسول الله وأهل بيته عليهم السلام؟ لا سيما وأنا قلنا بأن الله تبارك وتعالى عالم بالعمل قبل وقوعه ومقتضى العطف بالواو “ورسوله والمؤمنون”، لما عطف الرسول والمؤمنون على لفظ الجلالة بالواو معناته علم الله عز وجل المراد في الآية هو علم رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو نفسه علم أهل البيت، بمعنى أنهم يعلمون بالأعمال حين وقوعها وعالمون بها قبل وقوعها كما دلت على ذلك الروايات الشريفة، فإذا الله تبارك وتعالى يعلم، ورسول الله وأهل بيته يعلمون، لماذا تعرض عليهم الأعمال؟ مال الغرض من ذلك؟ الإجابة في الرواية المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه بعد وفاته يستغفر لنا، ففي كل يوم وليلة يستغفر لنا رسول اله صلى الله عليه وآله، في كل اثنين وخميس أيضا يستغفر لنا، عند الوضع في القبر عندما نكون غي اشد حاجتنا لرحمة الله عز وجل يكون أهل البيت مطلعون على أعمالنا، يوم القيامة حين ما نكون محتاجين للشفاعة والرحمة يكون أهل البيت سلام الله عليهم موجودين هناك للحفاظ علينا وللاستغفار لنا.
إنما تعرض الأعمال على أهل البيت لصالحنا، لأننا بحاجة لاستغفارهم، يقول الله عز وجل ” ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما”، لذلك عرض الأعمال عليهم واستغفارهم لنا هذا ليس مدعاة أن يسفر الإنسان في الذنوب، لكن المراد أن المؤمن إذا أذنب واستغفر تقبل توبته، ولكن يكون ذلك بعد أن يعرض العمل على رسول الله صلى الله عليه وآله، فعرض الأعمال عليهم لتنزل علنا رحمة الله عز وجل، نتقرب إلى الله بهم.
ما هو شعور أهل البيت عليهم السلام عندما تعرض عليهم أعمالنا ويجدون فيها معصية؟ ما هو موقفهم؟ سُماعة يجيب عن هذا السؤال، يقول كنت عند الإمام الصادق عليه السلام، فالتفت الإمام إلى الجمع الحاضرين، فقال: مالكم تسوؤن رسول الله صلى الله عليه وآله. وتسؤونه هنا تعني تحزنونه، فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه. إذا كانت الأعمال لها هذا التأثير على رسول الله وعلى أهل بيته عليهم السلام، فما هو تأثير عمل لطالما هم بأنفسهم حرصوا أشد الحرص على القيام به، فإذا نحن قمنا به وعرض عليهم هذا العمل،سندخل على قلوبهم عليهم السلام السرور، يقول دعبل الخزاعي دخلت على الرضا صلوات الله عليه فقال لي: ما زلت ناصرنا بلسانك، فأنشدنا شيئا مما قلت في الحسين. فقال دعبل:

مدارس آيات خلت من تلاوتة ومنزل وحي مقفر العرضات

إلى أن قال:

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشانا بشط فرات
للطمتِ الخد عنده فاطم وأجريتِ دعمع العين بالوجنات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى