١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“ومختلف الملائكة” ملا هادي الساعي | ٢ محرم ١٤٤٣هـ

من كلام لسيدنا ومولنا سيد الشهداء صلوات الله عليه “إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة”

هذه كلمات قالها سيد الشهداء صلوات الله عليه في محضر الوليد بن عتبة، لما أشاروا إلى قتله قال الحسن عليه السلام “إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة” وكان ذكر الحسين عليه السلام لهذه الأمور بيانا منه لبعض جوانب عظمة أهل البيت عليهم السلام، بقرينة ما ذكر بعدها من التعرض للطرف المقابل فختمها قائلا “ومثلي لا يبايع مثله”، فالحسين عليه السلام في بيان بعض جوانب فضله، وهذا المضمون ورد أيضا في أول كلمات الزيارة الجامعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام -المروية عن الإمام الهادي صلوات الله عليه، التي فضلا على علو مضامينها تعتبر أنها من أصح الزيارات سندا- في أول كلماتها تقول، “السلام عليكم يا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة” وحديثنا حول ما قاله سيد الشهداء وما ذكرته الزيارة من أن أهل البيت عليهم السلام هم مختلف الملائكة.
ما معنى مختلف الملائكة؟ يذكر أن مختلف هو اسم مكان، يعني أن مختلف الملائكة هو مكان اختلاف الملائكة، فما معنى اختلاف؟ هل يعني موضع لنزول الملائكة كي تتنازع وتتصارع مثلا؟ لا طبعا، فالمراد هنا هو ما ذكر في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله لما قال “اختلاف أمتي رحمة” فلم يكن القصد من ذلك الاختلاف بمعنى النزاع والصراع وتباين وجهات النظر، وإنما المقصود من الإخلاتف هو المجيئ والرواح بعض إلى بعض؛ لكي تتكامل علومهم ويستقيد بعض من آخر، فمراد سيد الشهداء حينما قال “مختلف الملائكة” يعني مكان مجيئ ورواح الملائكة، فكلام الإمام يعني أنه نحن موضع تتنزل فيه الملائكة.

ماذا تصنع الملائكة بعد نتزلنها؟ سنذكر بعض أغراض نزول الملائكة على أهل البيت عليهم السلام

  1.  لخدمة أهل البيت عليهم السلام.
    ورد عن أم أيمن أنها قالت: مضيت ذات يوم إلى منزل مولاتي فاطمة الزهراء عليها السلام لأزورها في منزلها، وكان يوما حارا من أيام الصيف، فأتيت إلى باب دارها وإذا بالباب مغلق، فنظرت من شقوق الباب فإذا بفاطمة الزهراء نائمة عند الرحى، ورأيت الرحى تطحن البر وهي تدور من غير يد تديرها، والمهد أيضا إلى جانبها والحسين عليه السلام نائم فيه والمهد يهتز ولم أر من يهزه، ورأيت كفا يسبح الله تعالى قريبا من كف فاطمة الزهراء، قالت أم أيمن: فتعجبت من ذلك فتركتها، ومضيت إلى سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمت عليه وقلت له: يا رسول الله إني رأيت عجبا ما رأيت مثله أبدا، فقال لي، ما رأيت يا أم أيمن؟ فقلت: إني قصدت منزل سيدتي فاطمة الزهراء، فلقيت الباب مغلقا وإذا أنا بالرحى تطحن بالبر وهي تدور من غير يد تديرها، ورأيت مهد الحسين يهتز من غير يد تهزه، ورأيت كفا يسبح الله تعالى قريبا من كف فاطمة عليها السلام ولم أر شخصه، فتعجبت من ذلك يا سيدي، فقال: يا أم أيمن اعلمي أن فاطمة الزهراء صائمة، وهي متعبة جائعة، والزمان قيظ فألقى الله تعالى عليها النعاس فنامت، فسبحان من لا ينام، فوكل الله ملكا يطحن عنها قوت عيالها، وأرسل الله ملكا آخر يهز مهد ولدها الحسين عليه السلام لئلا يزعجها من نومها، ووكل الله ملكا آخر يسبح الله عز وجل قريبا من كف فاطمة يكون ثواب تسبيحه لها، لان فاطمة لم تفتر عن ذكر الله، فإذا نامت جعل الله ثواب تسبيح ذلك الملك لفاطمة، فقلت: يا رسول الله أخبرني من يكون الطحان؟ ومن الذي يهز مهد الحسين ويناغيه؟ ومن المسبح؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وآله ضاحكا وقال: أما الطحان فجبرئيل، وأما الذي يهز مهد الحسين فهو ميكائيل، وأما الملك المسبح فهو إسرافيل. هذا مثال واضح على نزول الملائكة على أهل البيت لخدمتهم.
  2. للتعلم من أهل البيت عليهم السلام.
    ورد في الرواية أن الملائكة إنما تعلمت التكبير والتسبيح وتمجيد الله عز وجل من أهل البيت، ورد في الرواية عن أحد المعصومين “ومنا تعلمت الملائكة التسبيح والتقديس والتوحيد والتهليل والتكبير”، فالملائكة تتنزل عليهم في هذه الدنيا كي زداد منهم علما، فإن أهل البيت عليهم السلام خزائن العلوم.
  3. للتبرك بأهل البيت عليهم السلام.
    ورد أنه لما ولد الإمام الحيسين عليه السلام أرسل الله حبرائيل ومعه وفد من الملائكة يهنئون لرسول الله صلى الله عليه وآله بولادته، وهذا دليل على مكانة الإمام الحسين عليه السلام عند الله عز وجل وعند رسوله صلى الله عليه وآله، فلما نزل الوفد وعلى رأسهم جبرائيل مروا بمَلَك يقال له فطرس، قد كُسر جناحاه وأُلقي في هذا المكان، فخاطب جبرائيل: يا جبرئيل أين تريد؟ قال: إن الله عز وجل أنعم على محمد بنعمة، فبعثت أهنئه من الله ومني. فقال: يا جبرئيل احملني معك لعل محمدا صلى الله عليه وآله يدعو لي. فحمله. فلما دخل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله هنأه من الله عز وجل، ومنه وأخبره بحال فطرس فأشار له رسول الله أن يتبرك بالإمام الحسين عليه السلام، فلما فعل ذلك رد الله عز وجل إليه جناحيه، وعاد فطرس مع جبرائيل إلى السماء. فببركة الإمام الحسين عليه السلام الله فرّج عن فطرس.
  4. تتكامل وتتقرب الملائكة إلى الله عز وجل بوساطة أهل البيت عليهم السلام.
    هنا نقف على قصة فطرس، ذكرت هذه القصة بأكثر من طريقة ومضمون، احدى الروايات ذكرت أن الله بعث فطرسفي مهمة فأبطأ فيها، فكسر الله جناحيه وتركه في تلك الأرض، رواية أخرى تذكر أن الله عز وجل عرض ولاية علي عليه السلام على فطرس فأباها، فكسر جناحية، يأتي هنا تساءل، إذا كان الملائكة معصومين إذن  كيف يعصي ربه ويعاقبه الله عز وجل؟ هذا يصح فيما لو كنا المعاقب يتمتع بقوتين تؤثران عليه العقل والشهوة، أما الملائكة فعقل بلا شهوة، فكيف يعصي ويعاقب فطرس ويترك عي تلك الأرض حتى يأتي جبرائيل فيحمله فيشفى ويصفح عنه ببركة الإمام الحسين؟ أولا نحن في عقيدتنا أن الملائكة معصومين، وبالتالي فإن ما عرض على فطرس ليس أصل ولاية أمير المؤمنين، ولاية أمير المؤمنين نكلم عنها كأصل، كاعتقاد إمامته عليه السلام تارة، وتارة نتحدث عن ولاية أمير المؤمنين ونقصد بذلك بعض المراتب العليا من ولايته، أو بعض التكاليف المرتبة عن ولايته سلام الله عليه، فلا شك ولا ريب أن ما عرض على فطرس ليس أصل ولاية أمير المؤمنين، لأن رفض ولاية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه عصيان عظيم وأمر جليل يعاقب فاعله، وحاشى للمائكة أن يعصون الله عز وجل، لا ننسى أن الملائكة خلقت من نور علي عليه السلام، فما عرض على فطرس ليس أصل ولايته عليه السلام، وإنما مرتبة راقية في مراتب معرفة أمير المؤمنين، المرتبة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وآله “يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا”، المعرفة هنا مقصود بها مرتبة معينة من المعرفة.
    فالذي عرض على فطرس هي درجة من درجات ولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه، وحين تقول الرواية أن فطرسًا أبى ولاية أمير المؤمنين لا بمعنى أنه رفضها باختياره، وإنما كان قاصرا عن تحملها، وإلا فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، إضافة إلى ذلك أن الأمر المتوجه إلى فطر لم يكن أمرا مولويا بل كان أمرا إرشاديا، أوامر الله عز وجل تنقسم إلى قسمين، أوامر مولوية وأوامر إرشادية، الأوامر المولوية مثل أمر الله عز وجل الناس بإقامة الصلاة، ومخالفة إقامة الصلاة وتركها يعد مخالفة للأمر المولوي ويعد عصيانا يستحق فاعله العقاب، الأمر الإرشادي مختلف، مثل ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام أنه إذا إدت شرب الماء نهارا اشربه واقفا، وإذا أردت شرب الماء ليلا اشربه جالسا، إذا قام أحدهم بعكس هذا الأمر لا يأثم على هذا، ولا يخرج عن ولاية أهل البيت، ولكنه خسر أمرا قد تكون له فيه مصلحة، فأمر الله لفطرس كان من باب الإرشاد والتوجيه، لم يكن أمرا بأصل ولاية أمير المؤمنين سلام الله عليه، بل كان لنفعه وفائدته، فإذن الملك فطرس لم يعصِ الله عز وجل ولم يخالف أمره.
    إذا كان فطرس غير قادر على تحمل هذا الأمر، فلماذا طولب به وخوطب به أصلا؟ هل يكلف الله نفسا ما لا تطيق؟ حاشى لله عز وجل، لكن ورد عندنا في روايات أهل البيت “إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد قد امتحن الله قلبه للإيمان”، فطرس كان ملكا من الملائكة، ولكنه لم يكن ملكا مقربا، أراد الله عز وجل له أن يتكامل، وأن يصل إلى درجة الملائكة المقربين، والوصول لهذه الدرجة لا يكون إلا بمعرفة بعض جوانب تلك الولاية التي عرضها الله عليه، فحتى يكون الملك مقرب لا بد أن يذعن بتلك المرتبة من الولاية، فلكي يعرف فطرس بوجود هذه المرتبة من الولاية لا بد أن يُخاطب بها ويعرف بها. لماذا عاقبه الله على شيئ لم يكن قادرا عليه؟ هذه لم تكون عقوبة، فليس كل ما يجري على العبد عقوبة، الإنسان تجري عليه ابتلاءات في هذه الدنيا، بعضها تكون بسبب تقصيره ومعاصيه، ولكن بعض الابتلاءات انما تكون لزيادة تكامله وقربه إلى الله عز وجل، ألم يمر عليك أن الله إذا أحب عبدا ابتلاه؟ والمؤمن كل ما زيد في ايمانه زيد في بلائه، هذا البلاء ليس لمعاصٍ ارتكبها العبد، ولكنها من شأنها أن ترفع درجة العبد؛ لأن الله يحبه، فأذا امتحنه وصبر ونجح ارتفعت درجته عند الله عز وجل، ففطرس كان لا بد أن يقع في ابتلاء حتى يتكامل ويصل إلى درجة الملك المقرب، وروي أنه بقي يعبد الله عز وجل في تلك الأرض، فكانت هذه العبادة مقدمة للوصول إلى منزلة الملك المقرب.
    ونختم بقولنا إن الحصول على الكمالات والمقامات لا يكون إلا بإذن محمد وآل محمد صلوات الله عليهم، فإنه ورد “من أراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم ومن قصده توجه بكم”، هم واسطة الفيظ نزول كل شيء إنما يكون ببركتهم صلوات الله عليهم، فكان لا بد أن يُقبل فطرس عند محمد وآله عليهم السلام أولا حتى يمن الله عليه بمنزلة الملك المقرب، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فأشار رسول الله إلى رحمة الله الواسعة وهو سبطه الإمام الحسين عليه السلام، فكان الإمام الحسين عليه السلام هو مَنجى فطرس ومخلِّصُه. وروي أن فطرس مسح جناحه بمهد الحسين لا بجسده، فارتقى بذلك حتى صار ملكا مقربا.فاختلاف الملائكة على أهل البيت لخدمتهم، ولتزداد علما منهم، والتبرك والتكامل بهم سلام الله عليهم.
  5. لنصرة أهل البيت سلام الله عليهم.
    ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ما عصاني قوم من المشركين إلا رميتهم بسهم الله قيل: وما سهم الله يا رسول الله؟ قال: علي بن أبي طالب، ما بعثته في سرية ولا أبرزته لمبارزة إلا رأيت جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وملك الموت أمامه وسحابة تظله حتى يعطيه الله خير النصر والظفر. فسخر الله الملائكة لنصرة أمير المؤمنين سلام الله عليه. وورد عندنا أن الحسين سلام الله عليه لما سار من المدينة لقيه أفواج من الملائكة المسومة في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة، فسلموا عليه، وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه، إن الله سبحانه أمد جدك بنا في مواطن كثيرة، وإن الله أمدك بنا، فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء، فإذا وردتها فأتوني، فقالوا: يا حجة الله، مُرنا نسمع ونطع، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.
    وأتته أفواج مسلمي الجن فقالوا: يا سيدنا، نحن شيعتك وأنصارك، فمرنا بأمرك، وما تشاء، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك، فجزاه مالحسين خيرا وقال لهم: أو ما قرأتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله “أينما تكونوا يدر ككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة”. كان الإمام الحسين يعلم أن الهدف الواقعي من نهضته أن يبذل دمه؛ لأنه ببذل دمه يقام الدين، وبدونه تندثر وتمحى المبادئ التي أراد الإمام أن يرسخها بين الناس، فلا بد أن يكون عنصر الهداية موجودا وعنصر الضلال موجودا كي يتم الاختبار على الناس، لهذا قال الشاعر على لسان الإمام:

    إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني

قد يتساءل البعض هنا ويتعجب ويسأل أنه أليس بغريب أن الملائكة تتعلم من أهل البيت عليهم السلام وتخدمهم وتتبرك بهم؟ تكون الإجابة بلى، يكون الأمر غريبا لو كانت النظرة والفكرة المرتكزة في الأذهان هي ما يشاع ذكره من أن جبرائيل حينما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله بالوحي نزل بتلك الهيئة المرعبة المخيفة -كما ينقل البعض- التي وجل منها رسول الله صلى الله عليه وآله وضمه جبرائيل حتى كادت أن تزهق روحه ورجع إلى بيته مرتبكا خائفا، إذا نظرنا بهذه النظرة حينها نتعجب نعم. أما إذا كانت نظرتنا بمنظور من نزل القرآن في بيوتهم، فأنه ورد عن الصادق عليه السلام أن جبرائيل حينما كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله كان يجلس بين يديه جلسة العبد الذليل بين يدي سيده ومولاه، لم ينزل جبرائيل كي يزيد رسول الله صلى الله عليه وآله علما، رسول الله عالم بالوحي، قبل نزوله، فنزول جبرائيل نزول تشريف وتكريم، لا نزول تعليم وإخبار، عندما ننظر بهذه النظرة لا نتعجب من نزول الملائكة على أهل البيت للتعلم منهم، ورد لدينا أن الملائكة خلقت من نور علي عليه السلام، فلا نستكثر أنهم يخدمون أهل البيت ويزادون منهم علما.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى