١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“الآثار التكوينية لوجودات أهل البيت عليهم السلام” ملا هادي الساعي | ٥ محرم ١٤٤٣هـ

قال الله في كتابه الشريف “وجعلني مباركا أين ما كنت”

البركة هي ذلك الخير الغيبي المودع في خلق الله عز وجل، فإذا ثبت شيئ  أو شخص ما بأنه مبارك فإن البركة تكون أثرا من آثاره ولازما من لوازمه التي لا تفارقه، وقد ذكر القرآن بعض الأمور التي هي مباركة، منحها الله عز وجل ذلك الخير الغيبي، فوصف مثلا شجرة الزيتون بأنها مباركة، ومثلا تحية الاسلام وصفه القرآن بأنها مباركة ” تحية من عند الله مباركة طيبة”، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله “يا ابا ذر اذا اردت أن يكثر خير أهلك فإذا دخلت عليهم فسلم عليهم”، فإذا دخل أحدهم منزله فليسلم على من فيه حتى لو لم يكن خروجه من المنزل طويلا، فإن ذلك مدعاة لنزول الخير والبركة.الله تبارك وتعالى وصف ليلة القدر في سورة الدخان قال “إنا أنزلناه في ليلة مباركة” ليلة القدر ليلة مباركة، أودع فيها الله البركة فصارت البركة أثرا من آثارها، ولازما من لوازمها.
وكذلك هناك بعض الأشخاص الذين ذكر القرآن الكريم أنهم مباركون، كما جاء في الآية على لسان النبي عيسى عليه السلام “وجعلني مباركا أينما كنت” فأينما حل هذا النبي حلت البركة وحل الخير والعطاء، وما عندنا أناس كانت البركة واضحة فيهم جلية أكثر من محمد وآل محمد صلوات الله عليهم، فالزهراء صلوات الله عليها حجة الحجج وقطب رحى أهل البيت عليهم السلام جعل الله عز وجل أحد أسمائها المباركة، أينما كانت تشع خيرا وبركة، ولهذا تقرأ في الدعاء  للإمام صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف “واعمر اللهم به بلادك، وأحي به عبادك”، في هذا الإمام المعصوم عليه السلام اعمار الأرض، واحياء العباد، وعلى النقيض من ذلك “فانك قلت وقولك الحق (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت ايدي الناس)، فاظهر اللهم لنا و ليك و ابن بنت نبيك المسمى باسم رسولك حتى لا يظفر بشيء من الباطل الا مزقه، و يحق الحق و يحققه”، فبوجوده سلام الله عليه المكان كله يكون مبارك فيه خير، هذا أمر جعله الله تبارك وتعالى في بعض خلقه.

إذا نظرنا إلى أهل البيت عليهم السلام وجدنا أنه ليس فقط هم بذواتهم مباركون وإنما كل شيئ اربتط بهم حلت به البركة، مثلا أسماؤهم الشريفة وقد دأب المؤمنون على تقديس تلك الأسماء ومعاملتها معاملة خاصة وتشريفها تشريفا خاصا وطلب البركة بها، كتعليقها في المنزل مثلا، او نقشها على فص الخاتم، وهذا ليس بشئ خطأ ولا هو من الخرافات، وإنما نصت عليه الروايات الكثيرة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، ولهذا فقهاؤنا رحم الله الماضين وأيد الباقين لديهم فتوى بهذا الشأن، فبعضهم  أفتى بحرمة لمس الأسماء ان لم يكن الإنسان على طهارة، بعضهم أفتى بالكراهة، ومنهم من قال بالاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي. والحكم لم يأتي من عند الفقيه بدون بحث وانما استنادا لمصادر التشريع.
ورد في الرواية أن آدم عليه السلام لما كان في الجنة واطلع على مقام محمد وآل محمد عليهم السلام، عجب لعِظَم المقام الذي مُنح لهم، فقال الله عز وجل أن ينظر إلى الأعلى، فنظر فإذا بأسمائهم سلام الله عليهم، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين، وجدها منقوشة على ساق العرش، فهذه أسماء الله عز وجل أولى لها اهتماما خاصا، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن لعلي بن أبي طالب اسم مكتوب على كل حجاب من حُجُب الجنة، حجب النو، ورد أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ان العرش ما استقر حتى كتب عليه “لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله”. فهذه الأسماء لها قداسة خاصة، وأيضا موسى عليه السلام لم تستقر سفينته إلا بعد أن كتب عليها هذه الأسماء الطاهرة، أسماء أصحاب الكساء سلام الله عليهم.
ومن هنا نعلم أن كل مكان يُذكر فيه اسم من أسمائهم تحل فيه البركة، لأنهم هم مباركون وأسماؤهم مباركة، وبالتالي المكان الذي تذكر فيه أسماؤهم مبارك، لهذا إذا الله تابرك وتعالى رزقنا زيارة تلك المشاهد المشرفة، لا تخجل، ولا يأخذك شيء من الشك أو الامتناع عن التمسح بجدران المكان، وحديد الضريح، وكل ما يتربط بذلك المكان المقدس، هذه ليست بدعة، لكن ذلك المكان إنما تحلت فيه البركة بسبب أنه صار قريبا من جسد الإمام المعصوم سلام الله عليه، وصار قريبا مما هو أعظم من جسده، صار قريبا من روحه الشريفة التي تكون حاضرة هناك. فالمكان كله تصير فيه بركة، يكون شعاعًا من أشعة الخير والعطاء والرحمة، ولهذا الاحساس بالارتياح الذي يجده المؤمن في قلبه حينما يذهب إلى زيارة قبورهم سلام الله عليه لايضاهيه أي احساس بارتياح آخر، حتى لو ذهبت إلى أجمل منطقة في العالم، هذا ارتياح خاص مختلف، مع ان الطبيعة في أماكن قبورهم سلام الله عليهم قد لا يقارن مع جمال الطبيعة الموجودة في بعض الأماكن الأخرى، لكن الارتياح هنا أكبر لأنه مكان لنزول الملائكة.
فإذا كانت أسماؤهم وكانت الأماكن التي المرتبطة بهم سلام الله عليهم لها هذه البركة فكيف بما كان وعاء لذواتهم المقدسة، وكيف بما كان وعاء لأرواحهم الطاهرة، هذه الأسرار التي يقول عنها الإمام المعصوم “فإنا نحن الأسرار الإلهية لمودعة في الهياكل البشرية” فهذا الجسد الذي صار وعاء هذه الروح ياترى ما هي قداسته؟ وماهي عظمته؟ وما مقدار البركة الذي جعله الله فيه؟
ورد أن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أخذ حصاة بيده سبّحت، هذا التسبيح إما على نحو احيائها وجعل روح فيها، أو على حو اظهار المكنون من التسبي كما ورد في قول الله تعالى “وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم”، فهو أمر معجز، خارق للعادة، من آثار بركة بدن رسول الله صلى الله عليه وآله، فهو أثر تكويني من آثاره.
أمير المؤمنين سلام الله عليه؛ يقول سلمان المحمدي سلام الله عليه يقول كنا جلوسا عند أمير المؤمنين سلام الله عليه، فأخذ حصاة فأنطق الله الحصاة قائلة “أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبك أنت يا علي وليا وأميرا للمؤمنين”.
ومما أجمع عليه المسلمين قضية حنين الجذع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، كان يخطب رسول الله متكئا بجذع نخلة في صحن المسجد، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله إن الناس قد كثروا، وإنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت. فلو أذنت أن نعمل لك منبرا له مراقٍ ترقاها فيراك الناس إذا خطبت. فأذن في ذلك. فلما كان يوم الجمعة مر بالجذع، فتجاوزه إلى المنبر فصعده، فلما استوى عليه حن إليه ذلك الجذع حنين الثكلى، وأن أنين الحبلى، فارتفع بكاء الناس وحنينهم وأنينهم، وارتفع حنين الجذع وأنينه في حنين الناس وأنينهم ارتفاعا بينا. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك نزل عن المنبر، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده، وقال: أسكن فما تجاوزك رسول الله صلى الله عليه وآله تهاونا بك، ولا استخفافا بحرمتك ولكن ليتم لعباد الله مصلحتهم، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند محمد رسول الله. فهدأ حنينه وأنينه، وعاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منبره.
الإمام الجواد صلوات الله وسلامه عليه، يُروى أنه لما وصل إلى مجسد المسيب، فكانت هناك سدرة جافة، ذهبت عنها الحياة، واذا بابن رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو بماء فيتوضأ عند جذع الشجرة، يقول الراوي في نفس السنة، في وقت انتاجها اخضرت وعادت لها الحياة وأثمرت، يقول بعض علمائنا أنه بنفسه ذهب إلى تلك الشجرة وأكل من ثمرها فكان حلوا طيبا لا عُجم له، بركات الإمام الجواد سلام الله عليه. الله يقول “وجعلني مباركا أين ما كنت”، هذه بركات أهل البيت، هم موضع البركة والخير.
دعبل الخزاعي طلب جُبة من الإمام الرضا سلام الله عليه، أُخذت منه عنوة ولكن كانت لديه قطعة اقتطعها منها واحتفظ فيها، وأوصى أن تُدفن معه في قبره. في يوم من الأيام مرضت عنده جارية، اصاب الرمد عينيها، جاء بالأطباء، قالوا له أن هذه الجارية لا علاج لها، قطعا ستفقد النظر في احدى عينيها، واحتمال ان تفقد النظر في الأخرى، فاغتم دعبل لذلك غما شديدا، لكن دعبل كان متربيا في مدرسة أهل البيت سلام الله عليهم، يعلم أن يعقوب عاد عليه بصره بقميص يويف عليهما السلام، لم يتأثر بشبهات المشكيين وأقوالهم، كانت عقيدته ثابتة، فأخذ تلك القطعة التي كانت عنده مما بقى لله من جبة الإمام الرضا سلام الله عليه، وضعها على عينيها ليلا وما إن أصبحت حتى عاد إلها بصرها بأفضل مما كان.

“واعمر اللهم به بلادك واحيي به عبادك” هكذا كل أهل البيت سلام الله عليهم، إذا كانت أسماؤهم لها هذه البركة، أبدانهم لها هذه البركة، فلا شك ولا ريب أن التراب الذي ضم أجسادهم الطاهرة لا بد أن يكون أيضا مصدرا من مصادر البركة.
القرآن الكريم ذكر قضية حقيقية وهي قضية السامري “قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي”. لما فلق الله البحر لموسى رأى السامريُّ جبرائيل على فرس، ورأى أن حافر الفرس حينما يلامس التراب هذا التراب يتحرك، تدب فيه الحياة، فأخذ السامري شيئا من ذلك التراب الذي صار  عليه حافر فرس جبرائيل واحتفظ به في صرة عنده، وصار يتفاخر به على بني اسرائيل، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي أطال فيه موسى في ميقات ربه، فصنعوا عجلا وكان جمادا لا حياة فيه فوضع السامري شيئا من ذلك التراب داخل هذا العجل، فبقدرة الله عز وجل جعل الله الحياة في هذا العجل الجامد، فصار له خوار ونبت له وبر. رسول الله صلى الله عليه وآله يخاطب أمير المؤمنين، يقول له “ولولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولا لا تمر بملاء من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة”، ما المانع وما العجب وجبرائيل أحد خدام أهل البيت سلام الله عليه.
ومن هنا نعلم إصرار أهل البيت سلام الله عليهم وتأكيدهم على خصائص تربة سيد الشهداء سلام الله عليه، تربة الحسين شفاء من كل داء، غنى من الفقر، أمان من الخوف، من صنع سبحة من تراب قبر الحسين عليه السلام كتب الله له أضعافا كثيرة من ما لو سبح في سبحة عادية، وحتى لو لم يذكر الله وحركها بيده الله تبارك وتعالى يكتب له ثواب التسبيح، هذه سنة أهل البيت أصلا، فاطمة الزهراء سلام الله عليها صنعت سبحة من تراب قبر الحمزة، هذا التراب له بركة خاصة، روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال “إن السجود على تربة أبي عبد الله – الحسين – عليه السلام يخرق الحجب السبعة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى