١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“حسن النية وآثارها” ملا حسن الصالح | ٥ محرم ١٤٤٣هـ

“ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون”

سبب نزول هذه الآيات هو غزوة تبوك، فقد جاء ثمانية من الفقراء للمشاركة في الغزوة ولكنهم لم يكن يملكون شيئًا، فلا مال أو راحلة أو حتى نعال أعز الله القراء. فأرجعهم الرسول صلى الله عليه وآله فهم معذورون من الجهاد، فلما سمعوا بسقوط الجهاد عنهم فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا، وليس بكاءًا الذي قد يكون تمثيلًا كأبناء النبي يعقوب عليه السلام عندما جاؤا أبناهم عشاءًا يبكون. وكان بكاءهم بكاء التماسيح ولكن هذه الآية تبين عمق الحزن والحسرة على عدم ذهابهم النبي صلى الله عليه وآله وهذا موقف من المواقف والآية التي بعدها عكس للموقف الأول. ولكن اللوم يقع على الذين لديهم الصحة والمال والقدرة على الجهاد فهم جاؤا لكي يطلبوا من النبي صلى الله عليه وآله عدم الخروج يريدون الجلوس مع الخوالف والمقصود هو الأطفال وكبار السن والنساء المعذورين. والنتيجة وطبع الله على قلوبهم.

هل الفقر هو المحبب عند الله سبحانه وتعالى؟ بمعنى آخر هل الفقر فضيلة والغنى رذيلة؟ والمتتبع لروايات اهل البيت عليهم السلام يجدها على نمطين، فروايات تمدح الفقر وروايات تذم الفقر.
عن الرسول صلى الله عليه وآله ” الفقر فخري وبه افتخر” وعن الإمام الصادق عليه السلام ينقلها في محاورة بين الله تعالى وكليم الله موسى عليه السلام ” يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلًا فقل مرحبًا بشعار الصالحين” ينقلها الشيخ عباس القمي في كتاب سفينة البحار، وورد أن الفقراء هم عيال الله.
وهناك أدعية وروايات تذم الفقر وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام ” إذا دنوت من الحجر الأسعد قل اللهم إني أعوذ بك من الكُفر والفقر” وكذلك في الدعاء المنسوب إلى إمامنا صاحب العصر والزمان “وتفضل على فقراء المسلمين بالغنى والثروة” نلاحظ هنا نوعين من الروايات والأدعية في مدح او ذم الفقر. ولو خُير الإنسان بين الفقر والغنى فلا شك ولا ريب بأن الإنسان لابد أن يكف يده عن الآخرين، فنرى بأن الفثير لا ينتج فهو من الصباح للمساء يسعى في طلب الرزق ، وكذلك المجتمعات الفقيرة ترى فيها الخداع والغش والسرقة وغير ذلك . وإذا اجتمع مع الفقر الجهل فحدث ولا حرج. ولكن للنظر إلي حياة المترفين فإنك تجد حياة البذخ والإسراف والتبذير والبعد عن الله سبحانه وتعالى.
إذن ماهي الحالة المحببة عند الله سبحانه وتعالى؟ لنتمعن في هذه القصة الفلسفية ، يقال أن أحد الأشخاص يقول بأن الفقر رذيلة والغنى فضيلة فاستوقفه سقراط وسأله لو أحد الأغنياء قال بأن أمواله من الخداع والغش فهل يكون غناه فضيلة ؟ قال لا. ولو جاء فقير وعرضت عليه أموال طائلة ولكنها من الغش والخداع ولم يأخذها الفقير لأنها أموال حرام . أيكون فقره رذيلة ؟ قال لا . ونصل لنتيجة بأن الفقر والغنى لابد أن نتعرف على منشأ الأموال . كذلك الحال بالنسبة لأبو ذر الغفاري فقد عرضت عليه أموال كثيرة ولكنه رفضها. اما زيد بن عاصم فاعتزل الدنيا للعبادة وأصبح فقيرًا فقال له أمير المؤمنين” لقد استهان بك الخبيث” أي سيطر عليه الشيطان. أما الأغنياء فلدينا قارون الذي عاث فسادًا وبالمقابل لدينا إمرأة غنية وهي السيدة خديجة أم المؤمنين كيف استفادت من أموالها في خدمة الدين ” فما قام الإسلام إلا بسيف علي ومال خديجة وأخلاق النبي محمد”.
نأتي للاستفادة من هذه الآية فعندما رجع النبي محمد صلى الله عليه وآله من غزو تبوك قال ” إن بالمدينة لأقوامًا ما سرتم من مسير ولا قطعتم من وادٍ إلا كانوا معكم فيه. فقالوا يا رسول الله وهم بالمدينة جالسون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم وهم بالمدينة حبسهم العُذر. ونستفيد هنا بأن الرسول صلى الله عليه وآله أشركهم في ثواب من جاهد، لانهم حسُنت نيتهم، فحسن النية من الأمور المهمة، فإذا تكالبت عليه المصائب فلا يلقي اللوم على اللآخرين ولكن لابد أن يفتش في داخله، فربما يكون الخلل منه فريبما تكون نيته نية سوء وضغينة وحسد وغش فلن يتوفق.
وهذه الآية مصداق لذلك ” والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا” وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ” ما من عبدٍ أسر خيرًا فذهبت الأيام أبدًا حتى يظهر الله له خيرًا ، وما من عبدٍ يسر شرًا فذهبت الأيام أبدًا حتى يظهر الله له شرًا” وفي رواية أخرى “من حسنت نيته زيد في رزقه” وورد عن الإمام الصادق عليه السلام ” ما من رهطٍ أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عز وجل  في أمر إلا استجاب الله لهم فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عز وجل عشر مرات إلا استجاب الله لهم فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو الله أربعين مرة فيستجيب الله العزيز الجبار” وروي عن الإمام الصادق عليه السلام ” إذا كان أبي أحزنه شيئًا جمع الصبيان والنساء ثم دعا وأمنوا” .فالنية أمر مهم ولذلك نحن في زيارة أبي عبدالله الحسين عليه السلام ” لعن الله من قتلك ولعن الله من ظلمك ولعن الله أمةً سمعت فرضيت به” فالنحسن نياتنا، وهناك عالمة في الولايات المتحدة الأمريكة أخذت من كل ولاية شخص وعملوا على حُسن نيته من عشرين ولاية وقد قلت نسبة الجرائم في هذه الولايات بنسبة ٢٠٪. وذلك لحسن نيتهم.
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام ” من سره أن يكون مع اصحاب الحسين عليه السلام ويشاركهم في الثواب إذا ذكر الحسين يقول يا ليتني كنتم معهم فأفوز فوزًا عظيمًا” فمجرد حسن النية يعطى ثواب من قاتل مع الحسين عليه السلام. يقول موسى الحضرمي كنتُ مع الإمام الصادق عليه السلام في النجف فأخبرني بأن هناك رجل سوف يقدم عليك من القادسية فأنتظرته حتى قدم عليّ رجل فقلت له ألا تريد ترى ولد من أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه يدعوك. فسأله الإمام الصادق من أين أنت ؟ فأجابه من أهل اليمن. فقال الإمام من بلد كذا وكذا؟ فأجاب اليمني : بلا. فما زيارتك للعراق؟ فقال اليمني: جئت لأزور الإمام الحسين عليه السلام. فسأله الإمام  الصادق عليه السلام : أجئت لزيارة الإمام الحسين لحاجة؟ فقل من دون حاجة . فسأله الإمام ماتجد لزيارة للحسين عليه السلام فقال إذا جئت أزور الحسين تتوسع أرزاقيويصح بدني ، فقال الإمام الصادق ألا أزيد يا أخ العرب فقال له من جاء الحسين عارفًا بحقه كان له حجة متقبلة مبرورة مع رسول الله. فتعجب الرجل فأخذ يزيده حتى وصلت لثلاثين حجة. والرواية عندنا من زار الحسين عارفًا بحقه كان كمن زار الله في عرشه. والإمام الصادق يقول لسدير أتزور الحسين عليه السلام ؟ قال لا ، قال الإمام ما أجفاكم ، من زار الحسين له من الثواب العظيم فعند قبره ملك شعث غبر يدعون لزوار الحسين عليه السلام. وهناك قصة رمزية، يقال أن أحد الملوك ضاع في البادية ولم يلقى إلا أمرأة لديها شاة، فذبحتها وقدمتها للملك، وأخبرها بأنه ملك البلد وإذا كان لها حاجة فلتأتي له، وعند قدومها طلب الملك من حاشيته أن يخبروه عن نوع المكافأة التي تستحقها تلك المرأة، وقد اقترح عليه الوزراء أنواعًا متعددة من الهدايا وقال له أحد الوزراء عندما ضيفتك هل كانت تملك غير تلك الشاة؟ فإذا أردت ان تنصفها فلابد أن تعطيها كل ما تملك. فلا تتعجب بما أعطاه الله للحسين عليه السلام لأن أعطى الله سبحانه وتعالى كل ما يملك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى