١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“طاعة الإمام عليه السلام بعد معرفته” ملا هادي الساعي | ٧ محرم ١٤٤٣هـ

هناك أمر مشتركٌ ملاحظٌ في أبطال كربلاء سلام الله عليهم، هذا الأمر هو تفانيهم الخاص في طاهة الإمام المعصوم سلام الله عليه، والتفاني في خدمته والانقياد إليه، فتجد مثلا غلاما لم يبلغ الحلم يأتي إليى الحسين عليه السلام فيقول له : بني كيف ترى الموت؟ فيجيبه: با عم في نصرتك أحلى من العسل. وهو القاسم بن الحسن صلوات الله عليهما، كيف وجد الموت أحلى من العسل؟
حينما يأتي بعض أصحاب الحسين صلوات الله عليه فيبدون استعدادهم الذي لا نظير له لنصرة سيد الشهداء سلام الله عليه، مضمون كلام أحدهم أنه لو كانت الدنيا وكنا مخلدين فيها لما تركناك أبا عبد الله، الآخر يقول أنه لو قتلنا وأحرقنا وذروا رمادنا في الرياح لما تركناك. وغير ذلك من التفاني العجيب في طاعة سيد الشهداء والانقياد له ونصرته. فما السر في ذلك.

هناك عدة عوامل نذكر منها اثنين:

١- معرفتهم بالإمام المعصوم سلام الله عليه.
ورد في الرواية الشريفة أن ذروة الأمر، ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، فإذن هذه الطاعة انما تتولد بعد وجود أمر مهم مرتكز هو معرفة أهل البيت صلوات الله عليهم، هل المراد من ذلك هو مجرد تشخيص الإمام المعصوم وتميزه أنه هو هذا الذي أمر الله بطاعته؟ أم لا هناك أمر آخر؟

فلنستعرض نموذجا من نماذج معرفة أهل البيت سلام الله عليهم؛ كي نأخذ فكرة عما كان يحمل هؤلاء في قلوبهم وأذهانهم في معرفة الإمام المعصوم سلام الله عليه.
وجود هذا الكون الذي نحن فيه ممكن، بمعنى أن وجوده ليس ضروريا لذاته، كما هو في حق الله عز وجل الذي يقال أنه واجب الوجود، الوجود ضروري لذاته المقدسة، الكون ليس هكذا فيمكن أن يكون موجودا ويمكن أن يمون عدما الأمر سيان، وبالتلي لابد من وجود مرجح لوجوده على عدم وجوده، إذ لماذا يوجد هذا الكون والحال أن وجوده وعدمه واحد؟ لابد من وجود سبب وعلة وغاية من ايجاد هذا الكون، لا سيما وأن الله تبارك وتعالى من صفاته الحكمة، “وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين”، بل هناك حكمة من كل شيء فلماذا ترجح وجود الكون على عدمه فصار موجودا؟
الجواب في القرآن، “هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا” أوجد الله ما في الكون لأجل المخاطب في الآية، الجن والإنس، إذا قلنا أن الله أوجد ما في هذا الكون من أجل الجن والإنس، فلماذا خلق الله الجن والإنس؟ الإجابة “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” فإذن الهدف من وجود الإنسان في هذه الدنيا الذي لأصله وجد الكون هو عبادة الله عز وجل، وكما ورد في الروايات أن العبادة لا بد أن تكون مقترنة بالمعرفة، وهنا يأتي السؤال، لماذا أوجب الله تعالى عبادته؟ الجواب، للوصول إلى الغاية النهائية وهي نيل رحمة الله عز وجل “إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم”.
المطلوب من الانسان أن يعبد الله عز وجل حق عبادته، ويكون ذلك مقترنا بمعرفته حق معرفته، حينئذ تتحقق الغاية والهدف من وجود الكون، فما لم يعبد الله عز وجل حق عبادته وما لم بعرف الله عز وجل حق معرفته لم يتحقق الهدف من هذا الكون، فلا داعي لوجوده أصلا، فإذن سبب وجود الكون قائما إلى هذه الساعة وإلى هذا الحين هو وجود جماعة من خلق الله عز وجل حققوا العلة من خلق الكون وهي عبادة الله تبارك وتعالى، وهؤلاء هم محمد وآل محمد سلام الله عليهم.
ورد عندنا في الروايات أنه لولا وجود الإمام المعصوم سلام الله عليه لساخت الأرض بمن فيها وانخسفت بهم، ومحيت من هذا الوجود، لأنه لم يتحقق هدف وجود هذا الكون، فلا يبقى للكون معنى في وجوده، وقلنا انه لا بد من علة لوجود هذا الكون، وهذا ما أشار إليه الحديث القدسي “يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا علي لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما” وفي حديث الكساء “إني ما خلقت سماء مبنية، ولا أرضا مدحية، ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري، إلا لأجلكم ومحبتكم”.
لذلك أحيانا تسمع مصطلح أن أهل البيت سلام الله عليهم هم العلة الغائية من وجود هذا الكون، ما ذكرناه هو معنى العلة الغائية، انهم سلام الله عليهم حققوا الهدف من وجود هذا الكون فلهذا حفظ هذا الكون وما زال موجودا ببركتهم سلام الله عليهم أجمعين.
بالتالي نزول نعم الله عز وجل لابد أن تكون عليهم أيضا؛ لأن نعمة الله لا يستحقها الا من حقق الهدف من وجوده في هذه الدنيا؛ لأن نزول النعمة مترتب على وجود الإنسان في هذه الدنيا، فلا بد أن يستحق أن يكون موجودا أولا، حينئذ نتزل عليه النعمة، فالذين حققوا الهدف هم أهل البيت سلام الله عليهم، إذن هم الذين تنزل عليهم نعم الله عز وجل، وهذا ما عبرت عنه الروايات الشريفة والأخبار بأنهم واسطة الفيضو بهم ينزل الغيث ويرزق الورى، هكذا أراد الله تبارك وتعالى.
فلما بأتي القاسم بن الحسن سلام الله عليهما، ويسأله سيد الشهداء: كيف ترى الموت؟ وهو متركز في ذهنه أن هذا الذي يسأله هو سبب وجودي وسبب النعم التي تنزل عليّ، لولاه لكنت عدما، فيكيف يجيب بجواب غير أن يقول: في نصرتك أحلى من العسل؟ وهذا مجرد جانب من جوانب معرفتهم صلوات الله عليهم وإلا هؤلاء الصفوة الأخيار أنّا لنا أن نقف على ما عرفوه من شأن أهل البيت سلام الله عليهم، نقف عاجزين، ولو عرفنا ما عرفوه فما فضلهم علينا؟ العقل والإناسان قاصرين عند إدراك كل شيء، إلا بما بينه أهل البيت سلام الله عليهم.
وأشار إلى هذه النقطة الإمام محمد الباقر سلام الله عليه “ذروة الامر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأنبياء، ورضى الرحمن، الطاعة للإمام بعد معرفته” لما عرف الإنسان إمامه حينئذ تولد عنده الانقياد وطاعة الإمام عليه السلام، فكلما عرف امامه أكثر شكل ذلك قاعدة يتفاعل معها أكثر مع امامه صلوات الله عليه.

٢- البصيرة في الإيمان.
والبصيرة تعضد المعرفة؛ لأنها لا تكفي وحدها. والتاريخ يضرب لنا نموذجا في حادثة الهجوم على دار فاطمة سلام الله عليها، تفاوتت مواقف أصحاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه -نتكلم عن الخلص من أصحابه-، فمثلا سلمان الذي هو أفضل أصحاب أمير المؤمنين شأنا وأعلمهم، بالمجمل هو أفضل أصحاب الإمام علي عليه السلام، وعمار وأبو ذر وباقي خلّص الإمام بمقدار دخل في أنفسهم شيئ، وتساؤل وشيئ من عدم الوضوح مما جرى، وما جرى أمر صعب أن يستوعبه انسان ويدرك حقيقته بشر، لكن هنالك شخص من أصحاب أمير المؤمنين سلام الله عليه، هذا الأمر كان عنده أوضح من طالعة الشمس في رائعة النهار، كانت الأمور عنده واضحة منكشفة ولاشيء غامض، مع أن سلمان أكثر علما منه إلا انه تميز بخصلة على سلمان، وهي البصيرة في الايمان، المقداد رضوان الله تعالى عليه، هذه البصيرة بما يمتلكه من معرفة جعلت عنده انقياد وطاعة للإمام لا مثيل لها، بحيث إلى اليوم تذكر في الحافل وعلى المنابر، يده على مقبض سيفه وعينه على عين أمير المؤنين سلام الله عليه، ينتظر الإشارة فقط، بتسليم مطلق، من دون نقاش.
هذا الذي عُبر عنه في الروايات أنع ايمان مستقر في القلب، عامة الناس ايمانهم مستودع، عبرت عنه الرواية أنه مُعار أي وديعة، وجوده مؤقت، لذلك يضرب الإمام سلام الله عليه مثال في الرواية على الزبير، الزبير كان يعرف من هو أمير المؤمنين، لكنه انقلب في آخر حياته لأنه لم تحلى بهذه الصفة، ايمانه كان مستودع ليس مستقرًا.
من كان عنده الإيمان مستقرا في قلبه مع معرفة في اعلى درجاتها، وبصيرة في اعلى درجاتها، تتولد منهما طاعة منقطعة النظير للإمام سلام الله عليه، لهذا الإمام الصادق عليه السلام قال “كان عمنا العباس نافذ البصيرة”، وتقرأ في الزيارة “وأنك مضيت على بصيرة من أمرك” إلى جانب معرفته العظيمة كان مستبصرا في ايمانه، هذه المعرفة العقلية بإمامه ترجمها إلى استقرارٍ في القلب، واستقرت في قلبه وروحه ووجدانه سلام الله عليه، وهكذا كل أبطال كربلاء.
هذا الخليط نتج عنه امرأة تقف على دار زوجها يوم زفافها، تقول لزوجها أنه لا يمكن أن تدخل إلى دار تكون فيه سيدة ذلك الدار وفيه علي بن أبي طالب، ويتردد عليه الحسين وزينب، لكن ترجّت أمير المؤنين أن يقبلها عنده خادمة، نكران الذات والطاعة والانقياد التام ونكران الذات التي وصلت له جعلها تقول انها لا شيئ في قبال أمير المؤمنين سلام الله عليه. كيف وصلت لهذه الدرجة بحيث تتخلى حتى عن اسمها لأجل أن لا ينكسر قلب الحسنين وزينب سلام الله عليهما، مع ان القضية ليست قضية طفولية، زينب سلام الله عليها عمرها مقارب لعمر أم البنين عليها السلام. لكن مصيبة الزهراء حية في قلوب ابنائها سلام الله عليهم أجمعين، بحيث متى ما سمعوا اسم فاطمة ينتقل ذهنهم إلى ما جرى بين الباب والجدار.
تخلت أم البنين عن اسمها، وعلمت ابنها العباس ان صحيح أن أبوك أمير المؤنين وحقك أن يفخر بذلك، لكن لا تنسى أن أمك أم البنين، أما الحسن والحسين فأمهما فاطمة، لا تناديهما بأخي، هؤلاء تربطك بهم علاقة أعظم من علاقة الأخوة، علاقة العبد عند سيده ومولاه، وعلاقة المأموم بين يدي امامه، التي كل العلاقات الأخرى تذوب أمامها، فنادهم بسيدي ومولاي.
وإلى آخر لحظة في حياة أبو الفضل العباس بقي ملازما لأهل البيت سلام الله عليهم، ما تركهم حتى اللحظة الأخيرة، كما جاءنا في التاريخ أن عليا الأكبر كان يحرس الخيام، والعباس كان يحرس القسم الأكبر منها، وجاءنا عن الأكبر سلام الله عليه أنه رأى العباس قد دخل إلى خيمة الأطفال ليلة العاشر من المحرم، وبقي فيها فترة يسيرة من الزمن، ثم خرج العباس منها وهو يكفكف دموع عنينه، وسبب بكاء العباس أنه رأى الأطفال على عطشهم وجوعهم لكنهم آمنين بوجوده سلام الله عليه، ولكنه تذكر ما سيجري عليهم يوم العاشر حين ينادي المنادي احرقوا بيوت الظالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى