١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“أساليب التربية من المفهوم الإسلامي الجزء ٢” ملا حسن الصالح | ٩ محرم ١٤٤٣هـ

قال الله في كتابه المجيد “ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد”

نستكمل المحاضرة السابقة بعد أن أخذنا الركنين الأول والثاني وهما الموعظة والحوار ونبدأ بالركن الثالث.

الركن الثالث: القدوة الصالحة.
فإذا أردت أن تقنع من حولك بالموعظة فالقدوة الصالحة هي الروح والمحرك لهذه الموعظة.  فالأبن ذكي بملاحظته للأب فهو يلاحظ تصرفاته وسلوكياته وطريقة الكلام، ففاقد الشيء لا يعطيه فإذا أمر الأب ابنه بعدم الكذب والابن يرى الكذب على وجه أبيه كيف يكذب في المواقف حينئذٍ   تصبح للابن ردة فعل. وهنا لابد أن نشير إلى ثلاث نقاط …

النقطة الأولى: هل يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الأب لو كان غير مستقيمًا ومصرعليها، ويرى ابنه يقع في نفس الخطأ؟ كشرب الخمر من الأب ويرى ابنه يشرب أيضًا فهل يصمت عنه؟ الفقهاء يقولون لا يسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد يسأل سائل بأن لا تأثير للموعظة هنا. وهذا أمر آخر.

النقطة الثانية: لتجنب صدمة بعض الأبناء لا يجب تعليمهم الاقتداء بأناس عاديين أو متدينين، إلا المعصوم، فالمعصوم حالة كاملة والكامل هو الله سبحانه وتعالى. فبعض الآباء وللأسف الشديد يريد أن يعلم ابنه بعض المبادئ فيربطها ببعض الأشخاص، كأن يريده أن يكون مثل متدين ما، وعندما يرى الابن أخطاء من هذا المتدين فتتولد عنده ردة فعل، وقد يصل بعضهم للإلحاد. فترى الدواعش يذبح أو يفجر نفسه باسم الله، وفي أحد الغزوات ينظر رجل إلى طلحة والزبير وكان قد سمع عن بسالتهم في الدفاع عن النبي محمد (ص)، وأنهم من الصحابة، وإذ بأمير المؤمنين يلتفت له فقال له “أنت رجل ملبوس عليك” وأعطاه الشعار   “لا يعرف الحق بالرجال، أعرف الحق تعرف أهله” فعلم ابنك أن تكون قدته قدوة المبادئ والقيم، قيمة الحق قيمة الصدق قيمة الأمانة.

النقطة الثالثة: الاقتداء الواعي.
فنجد في هذه الأيام اقتداء ابنائنا باللاعبين تسريحة الشعر مثلاً أو اللباس، فندعه يقتدي بمثابرته واجتهاده. فنأخذه قدوة من خلال المثابرة، إذاً نأخذ الأشياء المفيدة، فالعالم ستيفن هوكنيغ فقد أصيب بالشلل في عمر العشرين، ولا يتحرك إلا بالأجهزة ومع ذلك ملا العالم بالنظريات الفيزيائية، فنأخذه قدوة بالإصرار والتصميم. ويقال بأن مسروق في يوم عرفة دخل لخيمة الإمام الحسين عليه السلام وجدهم يقرأون القرآن والأدعية، وينتظرون الإفطار. خرج من خيمته ودخل خيمة الإمام الحسن عليه السلام فوجد موائد الطعام وهم يأكلون وطلب منه الإمام الحسن عليه السلام تناول الطعام، وتعذر بأنه صائم. وقد وجده الإمام الحسن عليه متعجًا، فسأله الإمام فقال مسروق ” دخلتُ خيمة الإمام الحسين عليه السلام فوجدتهم صائمين ودخلتُ خيمتك فوجدتكم فاطرين” فقال الإمام الحسن عليه السلام ” إن الله تعالى ندبنا لسياسة الأمة ولو اجتمعنا على شيء ما وسعكم غيره، إني أفطرتُ لمفطركم وصام أخي لصوامكم” وكذلك علمائنا فصاحب كتاب الجواهر محمد حسن النجفي فلديه بيت ويلبس أفضل اللباس، ويخرج للناس بموكب، وعلى النقيض نجد العالم الشيخ مرتضى الأنصاري وهو فقيه من الفقهاء بيته قديم لا  يقبل بأن  يمشي وعباءته قديمة، وقد أشفق عليه  أحد  التجار واشترى للشيخ مرتضى الأنصاري عباءة غالية  الثمن، وفي اليوم التالي وجده  مازال  مرتديًا  عباءته  القديمة ، وأخبر التاجر بأنه باع العباءة  الغالية واشترى بدلا منها اثنا عشر عباءة وأهداها للطلبة الفقراء. ولكن التاجر قارن بينه وبين الشيخ محمد حسن النجفي، فقال الشيخ مرتضى الأنصاري بأن الشيخ محمد حسن النجفي أراد أن يظهر عز الشريعة أما أنا فأردتُ أن أظهر زهد الدين.

الركن الرابع: الثواب والعقاب.
فإذا رأيت فعلاً حسنًا من ابنك فيجب أن تعزز هذا الفعل بالمكافأة سواء كان ماديًا أو معنويًا. أما إذا رأيت ابنك مستمرًا على الخطأ فلابد أن تستعمل العقاب. والعقاب له مراحل، فلا نستعمل العقاب البدني في البداية، فربما كلمة بها حدة أو نظرة تكفي من دون أن تجرحه. يقال بأن الشيخ الكاشاني ذهب للشيخ حسين الخنساري ولم يجد ووجد ابنه جمال فسأله مسائل فقهية بسيطة ولم يعرفها. لم يوبخه الشيخ الفيض الكاشاني وإنما قال” جئتُ أزور الشيخ حسين الخنساري ووجدتُ بابه مغلقًا” فهم جمال المقصد وتأثر بها ودرس وجد في الدراسة حتى التقى الفيض الكاشاني ذات مرة وقال له الآن ليس جمال كالسابق. ولنا في سيرة النبي (ص) عبرة وموعظة فقد شاهد أحدهم يأكل بشماله، فقال له رسول الله (ص) “سم بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك” فأحيانًا إشارة فرسول الله (ص) كان جالسًا ومعه رجل فجاءت امرأة تسأله وكان الرجل مازال ينظر للمرأة فنظر إليه رسول الله (ص) فأدار الرجل وجه الناحية الأخرى.
ولكن بعد استنفاد جميع الوسائل تبدأ بعدها بالضرب، ولكن الضرب له حدود، فلا يؤدي الضرب إلى احمرار أو اسوداد فإذا حدث فعليك دية، وأيضا عدم الضرب بغرض التشفي، فيكون ضرب تأديبي وحُدد بثلاث ضربات. والأحط وجوبًا على رأي السيستاني عدم ضرب الابن البالغ. يقول رسول الله (ص) ” إذا ضرب أحدكم فليتقي الوجه”.
ونحن هنا نجتهد في هذه الأركان الأربعة، يقول النبي (ص)” الولد سيد لسبع سنين، وعبدٌ سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت خلائقه في إحدى وعشرين، وإلا فاضرب على جنبه فقد أعذرت إلى الله سبحانه وتعالى”. ولدينا نماذج لآباء مؤمنين ولكن ابنائهم غير صالحين مثل نبي الله نوح وابنه. ولدينا اباء كفار وابنائهم صالحون كمصعب بن عمير. فهو كان من عائلة غنية جدًا، يلبس أفضل اللباس ويأكل أفضل الطعام، وبعد إسلامه منع عنه الطعام وحُبس، واستطاع الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة. وعندما دخل إلى المسجد بملابس رثة فقال النبي (ص) ” انظروا إلى رجل نوّر الله قلبه وقد رأيته وهو بين أبويه يغذيانه بأطيب الطعام وألين اللباس فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون” لقد أصبح فقيرًا معدمًا وليس لديه إلا ثوبًا واحدة ممزقة. واستشهد في غزوة أحد. وقد بكى عليه الرسول (ص) وهو مصداق لهذه الآية ” من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه” وعند تكفينه وضعوا ثوبه فإذا غطوا وجهه تظهر رجليه، فغطيت رجليه بأمر النبي (ص) بنبات الأسفر.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى