١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“من ثمرات فاجعة الطف” ملا هادي الساعي | ١١ محرم ١٤٤٣هـ

ملا هادي الساعي
١١ محرم ١٤٤٣هـ
مأتم آل معراج

من ثمرات فاجعة الطف العظيمة والمهمة أنها مهدت لأهل البيت صلوات الله عليهم بنشر الثقافة الدين بين المجتمع الإسلامي، ولا سيما المتدين من العارفين بحقهم صلوات الله عليهم، وهذا الأمر تحقق من حيثيات كثيرة. ولكن سنذكر حيثية التفت لها الشيعة، تبلورت عندهم بشكل أفضل، بعد شهادة الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
لما نقول إن هذه الثقافة الدينية، تسنّى لأهل البيت عليهم السلام أن ينشروها ونعدها من ثمرات فاجعة الطف لأهميتها؛ لأن الدين هو أهم شيء في حياة الإنسان، لا بد أن يجعل الإنسان المتدين الدين الشيء الأهم في حياته، بخلاف التوجه العام الآن موجود في العالم أن الدين هو آخر ما يُنظر إليه في القضايا الحياتية وسائر الأمور التي ترتبط بالمجتمع.

الدين ليس فقط موضعا للافتخار، ولكن إنما هو مشروع عمل، فجاء الدين متدخلا في كل تفصيل من تفاصيل حياة الإنسان، بحيث كل ما تريد تتصرف تصرف تجد للشارع المقدس نظرا في هذا الأمر وفي ذلك التصرف.
فالمؤمن يجب أن يكون قالب حياته هو الدين، بالطريقة التي جاء بها رسول الله صلي الله عليه وآله وبينها الأئمة الطاهرون سواء على مستوى الجانب الفقهي أو ما يرتبط بسائر صفات الإنسان نتيجة الالتزام بها تكون إنسانا متدينا يسير على خطى أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.
فلما نقول إن هذا من ثمرات فاجعة الطف، إنما لأهميته العظمى، وهذه هي الغاية وهذا الهدف الذي أراد أهل البيت سلام الله عليهم من كل تضحياتهم أن يصلوا إليه.

لكن كيف كان لفاجعة الطف الأثر الكبير في قناعة الناس والتفافهم حول أهل البيت؟
إذا نظرنا إلى التاريخ بعد قرابة ثلاث عقود من شهادة النبي صلى الله عليه وآله، حينما آلت الخلافة الظاهرية إلى أمير المؤمنين صلوات الله.، والاجتماع العجيب الغريب الذي لم يحصل له مثيل، لما جاءوا إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه يطلبون منه القيام بالسلطة وتولي الحكم، عسى ولعل يصلح شيئا ويعيد الأمور إلى نصابها الذي أراده الله عز وجل.
الناس ضجوا وتعبو مما رأو من تخلف أمير المؤمنين صلوات الله عليه عن أمر الخلافة، فجاءوا إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه وبعد إلحاح شديد، وافق أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، وصار هو الخليفة الظاهري وتمت البيعة. ثم ماذا؟ ما الذي تحقق على أرض الواقع؟
قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وصارت الفتن وسفكت دماء، بالنتيجة أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لم يتمكن من تحقيق الإصلاح المجتمعي بشكله الأمثل؛ لأن الدين حينما جاء مرتبطا بكل جانب من جوانب حياة الإنسان، إنما يريد لهذا المجتمع أن يكون مجتمعا مثاليا مطبقا لشريعة المصطفى صلى الله عليه وآله، ملتزما بتعاليم دين الإسلام الذي أراده الله عز وجل.
أمير المؤمنين صلوات الله عليه تعذر عليه هذا الأمر، وإن قام صلوات الله عليه بإصلاحات لا مثيل لها، ولم يرى لها مثيل في طول التاريخ الإسلامي، لما تقرأ في أحوال الكوفة في زمن حكم أمير المؤمنين كيف كان الناس يعيشون في خير، هذا الجانب قلّ ما يشار إليه في سيرة علي بن أبي طالب.
لكن مع ذلك نتكلم على إصلاح كامل وشامل لكل الأمة الإسلامية، هل تمكن أمير المؤمنين أن يحقق هذا الأمر؟
لا، وكان عالما صلوات الله عليه كان عالما بهذا الأمر قبل وقوعه وهو القائل عليه السلام: أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.
التاريخ يروي لنا حجم التخاذل الذي وقع في جيش أمير المؤمنين سلام الله عليه لا سيما في صفين وغيرها من الحروب والمواقف كثيرة، حتى قال صلوات الله عليه لقد ملأتم قلبي قيحا، فبتخاذلهم ما تمكن عليه السلام أن يحقق الإصلاح المنشود الذي كان الناس يطمحون إليه بادئ ذي بدء حينما أتوا إلى أمير المؤمنين لطلب البيعة.

سيد الشهداء صلوات الله عليه في نهضته المباركة أكد هذا المعنى، مع أن الكتب جاءت إلى سيد الشهداء: اما بعد فقد اخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجند. ولا نقصد أولئك المغرضون والمنحرفون المندسون الذين كتبوا، بل أولئك الذين كانوا صادقين مع أنفسهم، ثم بعد ذلك تخلفوا في بحث مفصل ذكرناه في السنوات الماضية إما لمنع أو تخاذل أو غير ذلك من الأسباب، فصارت نتيجة نهضته المباركة أنه قتل مع نيف وسبعين من أهل بيته وأصحابه في أرض كربلاء وسبيت عياله ونسائه، فالإصلاح المجتمعي الكامل المنشود الذي كان الناس يطمحون إليه لم يتحقق.
ومع الإمام الحسن عليه السلام تحول الناس من إصرار قوي بالخروج، وبعد تخاذلهم كانوا يسلمون عليه قائلين السلام عليك يا مذل المؤمنين، والعياذ بالله.
فالشيعة مطلعون على هذه الظروف وعايشوها جيدا، فبعد شهادة الحسين صلوات الله وسلامه عليه كأنما تبلورت عندهم هذه القناعة أن ما يصبون إليه من إصلاح مجتمعي كامل شامل متعذر، وكلما ابتعد الزمان عن بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صار أصعب، لأنهم بأعينهم رأوا ما فُعل بريحانة صلى الله عليه وآله من سيد الشهداء عليه السلام، الأئمة من أبناء الحسين ينظرون لهم نظرة خاصة، لكن ليست تلك النظرة التي كان يُنظر بها للحسين عليه السلام. فإذا فعلوا مع الحسين كذلك فكيف يرجى من عامة الناس أن يبذلوا ما بوسعهم لنصرة الأئمة من بعد الحسين سلام الله عليه.

هل هذا يعني أن دين الإسلام قاصر على أن يقود الناس إلى الصلاح الكامل؟
لا، دين الإسلام بالشكل وبالخطة وبالهيكلية التي رسمها الله عز وجل قادر، لكن لم يتحقق. من أهم عناصر تطبيق دين الله أن يكون أمير المؤمنين سلام الله عليه هو خليفة رسول الله بلا فصل، ولكن هذا لم يتحقق، وبالتالي هذا صار مطمعا لكل قاص ودان حتى في زمن أمير المؤمنين سلام الله عليه، الكل كان يتمنى لنفسه الخلافة.
لكن إذا بقي هذا المنصب محافظا عليه بتنصيب من الله عز وجل سيكون حينئذ بعيدا عن أطماع الطامعين، ولا ابتلي الإسلام بأمثال بعض الحكام المذكورين في الكتب.

فلما صار هذا المنصب هو مطمع للكل، كيف يمكن للإمام المعصوم سلام الله عليه أن يصلح الأمور ويحقق الصلاح العام بعد أن فسدت فعلا؟
دين الإسلام ليس قاصرا عن تحقيق الصلاح المجتمعي العام إذا طبق كما أراد الله عز وجل، تقول الآية “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”، وسلمان المحمدي يقول “لو بايعوا عليا لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم”.
فلما تبين للناس تعذر حصول اصلاح مجتمعي أصبح أهل البيت صلوات الله عليهم بمنأى نوعا ما من التحريض المستمر والإلحاح الدائم من قبل الناس على القيام بوجه السلطة، لا سيما وأنهم بينوا سلام الله عليهم في حياتهم عدم صلاحية حتى الشيعة لمثل هذه الإصلاحات.

روي عن سدير الصيرفي أنه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: والله ما يسعك القعود، قال: ولم يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، والله لو كان لأمير المؤمنين عليه السلام مالك من الشيعة والأنصار ووالموالي، ما طمع فيه تيم ولا عدي. فقال: يا سدير، كم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف. قال: مائة ألف؟ قلت: نعم ومائتي ألف، فقال: ومائتي ألف؟ قلت: نعم ونصف الدنيا، قال: فسكت عني. بعدها خرج الإمام مع سدير الصيرفي، ومرّوا بجداء -جمع جدي وهو ذكر الماعز- فقال الإمام: والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود. يقول سدير: فعددتها فإذا هي سبعة عشر. فكأنما الإمام يقول لسدير أن هؤلاء المئة ألف كم منهم مستعد أن يبذل نفسه لنصرتنا؟

يروي الإمام الباقر أنه كان جالسا مع أبيه الصادق مع جماعة من صحبه، فقال لهم الإمام الصادق: من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ؟ فلم يتكلم منهم أحد، فقال الإمام الباقر: يا أبة أتأمر أن أفعل؟ فقال: ليس إياك عنيت إنما أنت مني وأنا منك، بل إياهم أردت. ثم قالها ثلاثا: إن أهل الفعل قليل. ثم قال لهم: رحمكم الله، فما أردت إلا خيرا، ان الجنة درجات فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم.
أهل الوصف هم من يطلق شعارات ويبين اخلاصه لأهل البيت بالبيانات، لكن ما أكثر الضجيج، وأقل الحجيج، أهل الفعل هم المستعدين كما كان العباس وعلي الأكبر وباقي أنصار الإمام الحسين، ينقل الفكرة من النظر إلى التطبيق والواقع العملي.

فأخاطب نفسي هل أنا من أهل الوصف أم من أهل الفعل؟ هل أنا مستعد وملتزم بثقافة أهل البيت؟ بحيث أكون فعلا ممهد حقيقي لظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ كل واحد بإمكانه يسأل نفسه ويجد الجواب حاضرا إن كان منصفا مع نفسه. هل أنا من أهل الوصف أم من أهل الفعل؟
فأهل البيت صلوات الله عليهم بينوا لشيعتهم أنه أنتم لستم مستعدين لأن تنصروا الإمام المعصوم وتسندوه بحيث يصل إلى سدة الحكم وتبقون مساندين له حتى يحقق الإصلاح الكامل، فصارت فرصة سانحة لأهل البيت سلام الله عليهم من هذا المنطلق بعد فاجعة الطف التي صححت عقائد الناس، صححت الطريقة نظرة الناس للأمور فصاروا مهتمين بالتراث الثقافي الروائي العظيم، والتي ننعم بها في زماننا هذا، هذه الروايات الموجودة بين الكتب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى