من الأسئلة المهمة التي تطرح كثيرًا هو: ما هو الهدف من نهضة الحسين عليه السلام؟
هل كان هدفه بذل الدماء وقتل النفس والتضحية بالأصحاب والعيال والأطفال؟ أم لإقامة حكم ودولة الإمامة، وسارت الظروف على منحى آخر، أدى إلى قتله وقتل أصحابه وسبي عياله وأطفاله؟
وقبل الإجابة عن السؤال نقول بأننا نعتقد أن الإمام الحسين عليه السلام إمام معصوم والإمام المعصوم في عقيدتنا لا يقوم الا بالعمل الذي يريده الله عز وجل، وبذلك يكون خروج الإمام الحسين عليه السلام خروج مخطط له من الله سبحانه وتعالى بغض النظر عن الهدف، حتى وإن لم تتمكن عقولنا من الوصول لحقيقة هذا الهدف.
واذا أردنا ان ندقق في التاريخ لمعرفة الهدف من نهضة الحسين، فلابد أن نعرف الحسين من منهج أهل البيت عليهم السلام، فهم مرآة الدين، فإذا أحسنا فهم أهل البيت أحسنا فهم الدين، وإذا أسأنا فهم أهل البيت أسأنا فهم الدين.
نقول أن الحسين لم يقم بالخروج لإقامة دولة الإمامة، بل ليقتل ويسفك دمه في سبيل الله عز وجل، ولعل البعض يتسائل، هل يصح أن يكون قتل النفس هدفًا؟ وهل يمكن أن تطرح هذه الفكرة؟ وأن يكون إلقاء النفس في التهلكة هدف؟
ومن هنا نتسائل أيضا عن هدف بعثة الأنبياء والأوصياء من بعدهم؟ بالطبع يكون الجواب لهداية الناس وأن يستقيموا على طريق الحق والصواب، فإذا كانت هداية الناس تتحقق بأن يصبر هذا الحجة ٩٥٠ سنة كان الأمر كذلك كما في عهد نبي الله نوح عليه السلام فكان صبره طوال هذه المدة أداة ووسيلة لتحقيق الهدف وهي هداية الناس، وكذلك تباين تصرفات أهل البيت عليهم السلام إنما كان لأنها أدوات يستخدمونها للوصول إلى هدف واحد وهو هداية الناس وإقامة دين الله عز وجل.
فشهادة الحسين عليه السلام هي أداة ووسيلة وليس هدفًا وغاية.
ولتوضيح ذلك نأتي للاية الكريمة: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية ٥٦ من سورة الذاريات.
في الآية يتبين لنا أن الله خلق الإنسان لعبادة الله عز وجل، ولكن في الواقع هو أن العبادة ليست هدفًا، إذًا ما هو هدف خلق الإنسان؟ يبين لنا الله سبحانه وتعالى ذلك في سورة هود آية ١١٩ (إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، اذا ومن خلال الآية يتضح أن الله قد خلق العباد ليرحمهم لأن بهذه الرحمة يصل الله إلى الكمال ويصل بها إلى أعلى درجات الجنان.
إذا لماذا ساقت الآية الكريمة العبادة بأنها هدف وغاية، في حين أنها هدف ووسيلة؟
الجواب يكمن في أن هذه الأداة والوسيلة لشدة اندكاكها بالغاية، لشدة اندكاك العبادة بالرحمة أصبحت وكأنها هي الغاية وهي الهدف، لأن الغاية والهدف وهي الرحمة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال هذه الأداة والوسيلة وهي العبادة، ولولا العباة لما نال الإنسان رحمة الله عز وجل.
وكذلك قولنا أن الحسين عليه السلام قد قام ليقتل ويستشهد، وفي الواقع هدفه هدف كل الأنبياء إقامة الدين وهداية الناس ولكن هداية الناس لا تتحقق إلا بهذا الطريق، هو هدف الخروج، فإننا نقول هدف الحسين إقامة الدين، ولشدة اندكاك الغاية والوسيلة فنقول خرج الحسين عليه السلام أن يبذل دمه الشريف، ولم تكن هناك وسيلة أخرى لإقامة الدين.
لو قلنا أن هدف وغرض الحسين هو القتل، فلا اشكال أبدًا عندما يكون الهدف تعبدًا وقربانًا إلى الله تعالى، كما حدث مع نبي الله ابراهيم عندما أراد ذبح ابنه اسماعيل إرضاءً وتقربًا لله عز جل.
ما هو الهدف؟ ذبح ابنه اسماعيل!
لماذا يريد ذبح ابنه؟ امتثالا لأوامر الله سبحانه وتعالى.
وكذلك الحسين فقيام الدين لا يقوم الا بخروج وشهادة الحسين عليه السلام.
هنا يطرح تساؤل: لماذا لا يكون هدف الحسين اقامة دولة الإمامة؟ أليس هذا هدفا راجحًا (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) آية ٥ سورة القصص، إقامة دولة الإمامة أمر عظيم، وكان جميع الأنبياء وأهل البيت سلام الله عليهم سعوا تمهيدًا ليقيم إمام آخر الزمان دولة الأنبياء ودولة الإمامة، إذا لماذا لا يكون هدف الإمام الحسين إقامة دولة الإمامة؟
الظروف التي كانت تحيط بالإمام الحسين عليه السلام لم تكن مهيئة لإقامة الدولة، وكان كل من علم بخروجه يعلم بتفاصيل الأمور وبما ستأول له الأمور عندما يستجيب لأهل الكوفة ويخرج للعراق، وأخبروه بأن نتيجة ذالك ستكون هزيمة عسكرية وقتله عليه السلام.
وكما جاء في حديث ابن عبّاس للإمام الحسين عليه السلام: يا ابن العمّ، بلغني أنّك تريد العراق، وإنّهم أهل غدر، وإنّما يدعونك للحرب فلا تعجل فأقم بمكّة!
ولكنه كان يقول أن هذا أمر من الله وهو مأمور به وهو ماض فيه، كما جاء في رده على أخيه محمد بن الحنفية، الذي قال: يا أخي إن أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم وأمنعه. وكان رد الإمام عليه السلام في اليوم التالي عندما عزم على الخروج: أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدما فارقتك فقال : يا حسين أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً.
فكان خروج الحسين بأمر من الله، وقد عزم عليه السلام المضي قدمًا في هذا الأمر.
كذلك واقع الأمر الذي نقل له عن طريق الفرزدق، حيث قال: إن قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
فقد كان على علم بعدم النصرة، فكيف يكون هدفه إقامة دولة الإمامة؟ ولا يمكن أن يكون هذا هدفه لعلمه بالظروف المحيطة.
اساسا أمر إقامة دولة الإمامة لم يكن موكولًا للإمام الحسين عليه السلام، بل أمر إقامة دولة الإمامة موكول للقائم الحجة بن الحسن عليه السلام، ولهذا ترى ان لكل الأئمة المعصومين هدف ودور يقوم به في حياته الشريفة، ولذلك نجد أن ألقابهم كاشفة لأدوارهم لا مقاماتهم، فكان لقب الحسين هو (الشهيد).