أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“من هم قتلة الحسين عليه السلام؟” ملا هادي الساعي | ٣ محرم ١٤٤٢هـ

روي أن سيد الشهداء عليه السلام عندما برز علي الأكبر قال: اللهمَّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطِقاً برسولك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه, اللهمَّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائقَ قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدَوا علينا يقاتلوننا.

هذه الكلمة من سيد الشهداء عليه السلام، يستفيد منها البعض: أن الإمام الحسين عليه السلام يدعوا على من أرسلوا إليه الكتب ويدعوه للقتال، وهم شيعة الكوفة الذين دعوه ليناصروه وخرجوا لقتاله، فشيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين، فهل هذا الكلام صحيح؟

نقول بضرس قاطع أنه غير صحيح، وهو اشتباه كبير، ويكفينا في الجواب عن ذلك قول سيد الشهداء عليه السلام لما وقف مخاطبًا جيش عمر بن سعدقال: (يا شيعة آل أبي سفيان)، ولم يقل لهم: يا شيعة علي بن أبي طالب.

ويدور حديثنا اليوم على ثلاث محاور:

المحور الأول: من هو الشيعي؟
الشيعي: الذي يعتقد بأن علي بن أبي طالب عليه السلام هو وصي رسول الله وخليفته والإمام المفترض الطاعة بعد الرسول بلا فصل، وغيره ليس شيعيًا.

بعبارة أخرى، المحب لأهل البيت عليهم السلام لا يسمى شيعيًا بل يسمى محب، وهذا فرق كبير بين الشيعي والمحب.

لهذا عندما قال الفرزدق للحسين عليه السلام: (إن قلوبهم معك وسيوفهم عليك) فهذا لا يعني أن الشيعة سيوفهم مع الحسين، وإنما لا يوجد مسلم إلا وهو محب لأهل البيت، وهذا لا يعني أن كل محب لأهل البيت عليهم السلام هو شيعي، لأن ذلك يلزم منه أن كل من هو غير شيعي لا يحب أهل البيت، وهذا لا يلتزم به أحد.

فالشيعي هي لفظة مختصة بهذا الذي يعتقد بعقيدة وهي أن أمير المؤمنين هو وصي رسول الله بلا فصل.

ويلاحظ أن التشيع ليس أمرًا تكوينيًا، بل هو مسلك عقائدي، فالإنسان حر في اختياره، لذلك عندما نقول أن أحدهم شيعيًا فهذا لا يعني أنه سيبقى على ذلك لآخر حياته، لأنه باختياره اختار هذا الطريق وصار شيعيًا، فلو فرضنا أن أحدًا كان يتشيع لأهل البيت عليهم السلام، وبعد أن دارت الأيام والسنوات فخرج ورفع السيف بوجه إمامه، فنقول أن هذا كان شيعيًا وانحرف وانسلخ من تشيعه.

فعلى فرض أن كل من كتب للحسين عليه السلام من الشيعة، وعلى فرض أنهم بعد ذلك خرجوا لقتال الحسين عليه السلام، فلا نستطيع أن نقول أن من قتل الحسين هم شيعته، اذ أنه بمجرد خروجهم في وجه إمامهم خروجوا من التشيع، وهذا أمر واضح، وهذا أمر ليس مختصًا بالتشيع، بل أمر يتعلق بكل المعتقدات.

المحور الثاني: وضع الشيعة في الكوفة:
كثيرًا ما يتداول أن أهل الكوفة كلها شيعة، وهذا تساهل كبير في التعبير، نعم: أغلب الشيعة تركزوا في الكوفة لكن هذا لا يعني عددهم كبير وأنهم كانوا كل أهل الكوفة، بل كان عدد الشيعة في الكوفة قليل، وذلك لأن أصحاب الحق قليلون، وفي آية المباركة (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) آية ١٣ سورة سبأ، وكما ورد عن أمير المؤمنين: (لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه).

وكذلك صروف الدهر ونوائبه جرت على أهل الكوفة، فقد تسلط الولاة على مر الزمان ففتكوا بشيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، منهم زياد الذي كان واليًا على الكوفة، والذي قتل خيرة أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام، ممن قتلهم: حجر بن عدي الكندي، وقتل عمرو بن الحمق الخزاعي وسجن زوجته ونفاها خارج الكوفة، وقتل جويرية بن مُسهر العبدي، وقتل أيضا رشيد الهجري، وكان آخر ما فعله زياد بن ابيه في سنة ٥٣ هجرية جمع أهل الكوفة في القصر والمسجد والرحبة، وعرض عليهم واحدا بعد آخر على السيف طالبًا منهم البرائة من علي بن أبي طالب عليه السلام، ومن يبرأ منه يتركه ومن لا يبرأ يقطع رقبته.

والتاريخ يخبرنا أن نسبة عدد الشيعة إلى العدد الكلي لسكان أهل الكوفة في زمن الإمام الحسين عليه السلام يشكلون سُبع أهل الكوفة تقريبًا، فيتبين لنا أن الشيعة قليلون في الكوفة، ولهذا نجد أن أمير المؤمنين قد عانا منهم من أجل أن يغير كثيرًا من ممارساتهم الخاطئة ولكنه لم يتمكن من ذلك.

جاء في الآية الكريمة: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آية ٣١ سورة آل عمران، فليس التشيع مجرد المحبة، ولكنه اتباع وطاعة للإمام المعصوم وقول بإمامته.

المحور الثالث: من الذي أرسل الكتب للإمام الحسين عليه السلام؟ وماذا كانت تفاصيل هذه الكتب؟ وما كان حال من أرسل الكتب؟

فئات من أرسل الكتب للحسين:

  • الشيعة الخلص: وهم من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، منهم: سليمان بن صرد الخزاعي، مسلم بن عوسجة، حبيب بن مظاهر، الأصبغ بن نباتة، المختار الثقفي، وأيضا جملة من الشيعة قد قاموا بالكتابة للإمام الحسين عليه السلام، وتخبرنا الروايات بأن في سجون عبيد الله بن زياد ١٢ ألف من شيعة أهل البيت، وبعض من الشيعة استشهد مع مسلم بن عقيل، وبعضهم تمكن من اللحاق بالإمام الحسين لينالوا الشهادة معه، وبعضهم بقوا تحت الإقامة الجبرية في الكوفة حيث قام بن زياد بإغلاق جميع مداخل ومخارج الكوفة.
  • الناس البسطاء: وهذا لا ينطبق عليهم اسم التشيع، ويمكن وضعهم في فئة المتخاذلين، أو فئة من غيروا آرائهم، أو من أعجبهم أن يكونوا مع بني أمية وبن زياد ضد الحسين.
  • موالون لبنو أمية ومن الخوارج: وهذا أمر عجيب ومحير، ومنهم: شبث بن ربعي وهو غني عن التعريف اذ كان من الخوارج، والمعادين لأمير المؤمنين، ولا يخفى أنه كان شيعيًا فيما سبق لكنه انقلب على عقبه ووالى بني أمية، وهو من الذين كتبوا إلى الإمام الحسين أن أقدم إلى الكوفة، وبعدها خرج من الكوفة في جيش ليقف يوم كربلاء محاربًا الإمام الحسين، ومن الذين كتبوا: حجار ابن ابجر، ولم يكن شيعيًا لكنه من الذين كتبوا للإمام الحسين عليه السلام وخرج من الكوفة لحرب الإمام الحسين مع عمر بن سعد، كذلك من الذين كتبوا: قيس بن الأشعث، وهو ابن الخارجي المعروف، وهو لما كان في كربلاء عندما سقط سيد الشهداء عليه السلام شارك في سلب الإمام فسرق قطيفة الإمام الحسين عليه السلام، أخوه محمد بن الأشعث ولم يرد أنه كتب للإمام الحسين عليه السلام لكنه خرج في جيش بن سعد لحرب الإمام عليه السلام، ومن الذين كتبوا للإمام: عمرو بن الحجاج وهو والد زوجة هانيء بن عروة ولكنه في كربلاء وقف مع فرسانه ومنع الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته من الوصول للماء، وخاطب الإمام الحسين قائلا: “يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب، وتشرب فيه الحمير والخنازير، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم”، وكانت نهايته على يد المختار الثقفي حيث قتل وهو عطشان.

لذلك نرى أن الإمام الحسين عليه السلام مضى نحو طريق الشهادة وهو عالم بحقائق الناس، ويعلم من كتب إليه، فلذلك عندما سؤل عليه السلام من كتب إليه وكانو في جيش بن سعد يوم كربلاء: ألم تكونوا ممن كتب إلي؟ كان جوابهم النفي وهم كاذبون لعنهم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button