أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“عناية الإمام الصادق عليه السلام بشيعته” شيخ علي الساعي | ذكرى استشهاد الإمام الصادق ١٤٤٢هـ

ورد في الرواية الشريفة أن الإمام الباقر عليه السلام لما حضرت الوفاة أوصى بعدة وصايا، من جملة ما أوصى به ولده الإمام الصادق عليه السلام قال : يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا. فقال الإمام الصادق : جعلت فداك والله لأدعنّهم والرجل منهم يمشي في المصر، فلا يسأل أحدا.

الناظر في سيرة الإمام الصادق عليه السلام سيجد أن من أهم أدواره هو العناية بالشيعة، والاهتمام بهم من جميع النواحي،كان هناك وجودٌ للشيعة قبل الإمام الصادق عليه السلام؛ لأن التشيع قديم، بقدم رسالة النبي صلى الله عليه وآله، هو من أطلق على أتباع أمير المؤمنين عليه السلام بالشيعة، روى ابن عساكر في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ). قال: ياعلي أنت وشيعتك والله خير البرية. فلفظ شيعي جرى على لسان النبي صلى الله عليه وآله، وعرف بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بشيعة علي، مثل سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، لكن هؤلاء الشيعة في زمن أمير المؤمنين والإمام الحسين والإمام الحسين وخاصة بعد واقعة كربلاء كانوا متفرقين على قلة وعلى وجل، لم يكن لديهم كيان له ثقل، وإنما كانوا مغلوبين على أمرهم. الإمام الصادق عليه السلام جمّع هذا الشتات وأصبح للشيعة كيان وثقل في زمن تعددت فيه المذاهب فكان الذي يحمل فكر الإمام الصادق عليه السلام يُسميه الناس جعفري بمعنى يحمل فكر جعفر بن محمد، حتى صار مذهباً محتلفاً عن بقية المذاهب، فصار يميز هذا المذهب باسم المذهب الجعفري، ولكن الإمام لم يؤسس مذهبا لأن هذا المذهب كان موجودا قبل إمامته، لكن صار للمذهب كيانٌ واضحٌ وبنيانٌ راسخٌ في زمنه عليه السلام.

المحور الأول: الرقي بالمعرفة : قام الإمام بتنشئة جيل من الشيعة يتميز بالمعرفة الراقية، فلا يجوز للإنسان الشيعي أن يبقى ساذجا أو مغفلا، معلوماته بسيطة، يفترض بالمؤمن أيا كانت وظيفته أو اختصاصه أن تكون لديه معرفة كافية بالمعلومات الفقهية العقائدية، فيعرف كيف يدافع عن معتقداته؛ لأن هذه القضية ليست فقط لأصحاب التخصص، فوظيفة المؤمن أن يتعلم الأحكام الإبتلائية، يقول الفقهاء في الرسائل العملية يجب تعلم المسائل الإبتلائية. هل يمكن لإنسان مؤمن مكلف يقف في الصلاة فيحدث خلل في صلاته ولا يعرف كيف يحل الخلل؟ فيستمر على الخطأ أو يُبطل صلاته، فليس كل خلل مُبطل للصلاة ولا يجوز قطع الصلاة عند كل خلل، بعض المشاكل في الصلاة لها حل. إذا أخل شخص واستمر في صلاته كيف يكون تعويضه؟ فليس مقبول من المؤمن أن لا يعرف كيف يحل هذه المسائل البسيطة، لا يعرف كيف يخرج الحق الشرعي من ماله، ولا يعرف كيف يؤدي طهارته بالشكل المطلوب، إذا اعطيته ثوب لا يعرف التطهير الشرعي له، لا يفرق بين تطهير الآنية وغيرها. سابقا كان الوصول للمعلومة صعبا؛ لأن الحصول على المعلومة كان يتطلب سؤال العلماء والبحث في الكتب، لكن اليوم يمكن الحصول على المعلومة في ظرف ثواني، عندما تقوم بالبحث عن أي موضوع يأتي لك سيل من المعلومات الصوتية والمرئية، لكن اليوم مع يسر الحصول على المعلومات نرى في المجتمع تردي في المعرفة الدينية، يكبر جيل الناشئة بدون معرفة أو وعي مع سهولة الحصول على المعلومة.

الإمام لم يربي شيعة عندهم شيء من المعرفة الدينية، الإمام نشّأ فقهاء كان يفتخر بهم الإمام سلام الله عليه، مثلا آل أعين، هؤلاء الإخوان الخمسة الإنسان يقف خجلا أمام شخصياتهم، زرارة وحمران وبُكير وعبد الرحمن وعبد الملك بن أعين، يكفي أن نقرأ ما قاله فيهم الإمام الصادق عليه السلام.

أ- زرارة بن أعين. يقول الإمام الصادق فيه : لولا زرارة لظننت أن أحاديث أبي ستذهب. الإمام الصادق الذي في صدره علوم أهل البيت كلها لا يحتاج لأحد، لكن الإمام يريد أن يشير إلى فضل زرارة وكأنه يقول أن الذي يحمل في صدره علم أبي هو زرارة.

ب- حمران بن أعين. أتى مرة شامي يريد مناقشة الإمام الصادق عليه السلام، الإمام الصادق عليه السلام فأحاله إلى حمران بن أعين، فقال الشامي: لم آتي من الشام للمدينة لأجلس مع حمران، أتيت قاصدا جعفر بن محمد. فيجيبه الإمام : إن غلبت حمران فقد غلبتني.

ج- أبان بن تغلب. أمره الإمام بالافتاء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قائلا: اجلس في مسجد المدينة، وافت الناس؛ فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك.

د- محمد بن مسلم الثقفي. حفِظ عن الإمام عليه السلام ثلاثين ألف مسألة، يرجع إليه علماء المذاهب الأخرى ليعرفوا منه الرأي الصحيح. فقيه من فقهاء المسلمين أتته امرة تسأله في ابنتها ماتت وفي بطنها جنين على قيد الحياة، فلم يجيبها هذا العالم وأمرها ان تذهب إلى بيت وأشار إليه، سألته: بيت من هذا؟ قال: هذا بيت فقيه اسمه محمد بن مسلم. فذهبت إلى بيته وسألته سؤالها، قال لها : سمعت من سادتي، أنه يشق جنبها الأيسر، ويُخرج الجنين، ثم يخاط المكان، ثم تجرى عليها الأحكام من تغسيل وتكفين وصلاة ودفن. فرجعت المرأة وأخبرت العالم. في اليوم التالي ذهب العالم إلى طلابه وبدأ يشرح في مسألة هذه المرأة، دخل محمد بن مسلم المسجد وسمعه يشرح هذه المسألة وكان يشرحها كأنه هو من استنبط هذا الحكم، تنحنح محمد بن مسلم وكأنه يقول نحن هنا، هذه المعلومة من عندنا، فالتفت إليه وقال : يا محمد بن مسلم، اللهم غفراً، دعنا نعيش. فكان أكبر علماء المسلمين يأخذ العلم من طلاب الأئمة عليهم السلام.

أخرج الإمام فقهاء علماء، كانوا يجلسون يفتون الناس حتى قال الوشاء : إني أدركت في هذا المسجد -يعني مسجد الكوفة- تسعمئة شيخٍ ، كل يقول : حدثني جعفر بن محمد عليهما ‌السلام.

المحور الثاني: مراقبة الشيعة سلوكيا. اهتم الإمام بسلوك شيعته، والشيعة منسوبين للإمام جعفر الصادق، فلا تلوث هذا الوسام بتصرفاتك أيها المؤمن، كونوا زينا لنا، ولا تكونوا شينا علينا، كونوا دعاةً لنا صامتين. اجعل تصرفاتك هي من تتكلم عن لسانك، لا تُنفّر الناس عن أهل البيت.

أ- الكتمان. حث الإمام عليه السلام على الكتمان، بعض الناس إذا قرأ فضيلة من فضائل أهل البيت يذيعها في كل مكان، ويحاول أن يزدري بالآخرين الذين لا يملكون هذا الاعتقاد الذي عنده، فهناك من لا يحتمل عقله لمثل هذه الفضائل، فعندما يخرج هذا في الفضائيات ويشرّق ويغرّب بمقامات أهل البيت، فيقال انظروا إلى الشيعة، هؤلاء مغالون، هذه شركيات، عندهم تجاسر على شخصيات… وهذه حركات لا مسؤولة في فكر الإمام عليه السلام. روي مرة أن الإمام يخاطب المعلى بن خنيس يقول له : يا معلى إن لنا حديثا من حفظه علينا حفظ الله عليه دينه ودنياه، يا معلى لا تكونوا اسراء في أيدي الناس بحديثنا إن شاؤوا منوا عليكم، وإن شاؤوا قتلوكم. فلا تعطي مجالا أن تتهم ويستحل دمك، فهناك عقائد خاصة بالشيعة، فلا تجبر الناس أن يعتنقوا عقائدك، في وسائل التواصل بعض الأشخاص يتجرأ على أهل البيت، بعض الشباب يُستفز ويرد ببعض الردود القبيحة، وهذا لا يقبله الإمام سلام الله عليه، لا تدخل في سجالات مع هؤلاء، بعضهم يسأل يريد أن يتعلم، سؤاله بعين المحب، لكن كثير من الأحيان هذه أسئلة تعنت اسئلة استفزاز، لا تُجب هذه الأسئلة. زرارة مرة من المرات كان ذاهبا للإمام في منى، فسأله الإمام عن أخيه حمران. قال زرارة : إنه بخير سيدي وإنه يقرؤكم السلام. قال : اقرأه عنا السلام، إن حمران ملئ إيمانا… ثم قال الإمام: وقل له: يا حمران، لم قلت للحكم بن عتيبة نقلا عني إن الأوصياء محدثون؟ والحكم لم يكن على خط أهل البيت. فعلينا أن نحفظ أسرار ومقامات أهل البيت، تعطيها لمن يستحق ويرعى هذا المقام.
ب-التقوى. شيعة جعفر من اتقى الله وأطاعه. أبو مهزم ذهب مرة إلى المدينة، لما وصل استأجر له غرفة، فطرق بابا من الأبواب فخرجت له فتاة، فمد يده ولمسها، ثم سحب يده واستغفر ربه، في اليوم التالي ذهب يسلم على الإمام الصادق فرأى الإمام متغيرا، فقال الإمام : يا مهزم أين كان أقصى اثرك اليوم؟ فقلت له : ما برحت المسجد فقال اما تعلم أن أمرنا هذا لا ينال الا بالورع. القضية تحتاج إلى تقوى واستقامة. ولهذا كانت آخر وصية للإمام عندما جمع الناس وأمرهم أن يشهد الحاضر الغائب قال : لا تنال شفاعتنا مستخفا بصلاته. فشيعة جعفر هم الأتقياء الورعين الذين يغضون أبصارهم وأسماعهم وألستنهم عن ما حرم الله.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى