١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“احياء الشعائر الحسينية” ملا حسن الصالح | ١ محرم ١٤٤٣هـ

ورد عن سيدنا ومولانا ابي الحسن علي بن موسى الرضا صلوات الله وسلامه عليه انه قال “من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”

تتعدد صور الاحتفاء بشاعر الإمام الحسين عليه السلام بين لطم وبكاء وتجمع وإطعام طعام إلى غير ذلك، كل ذلك تعظيما لهذه الشعائر وتخليدا لأهداف الإمام الحسين عليه السلام الرفيعة والعالية. انطلاقا من احيائنا لعشرة الإمام الحسين عليه السلام قد يعترض علينا البعض ويطرح بعض الإعتراضات نذكر منها اثنين في المحور الأول، ومن ثم نتطرق إلى ثمار نكتسبها من هذه النهضة البباركة وهذه الشعائر الحسينية في المحور الثاني.

المحور الأول: الرد على الإعتراضات.

  • الإعتراض الأول:“الحزن والبكاء ما زاد عن ثلاثة أيام قد يدخل في الكراهة، بينما نجدكم أنتم أيها الشيعة لا تكتفون في عشرة أيام الحسين سلام الله عليه بل طول السنة لا تخلوا ليلة من الليالي الا وذكرتم الإمام الحسين عليه السلام”
  • الإعتراض الثاني:
    “ما جرى على الإمام الحسين عليه السلام هو بقضاء من الله وقدره، فحينما تبكي وتحزن وتلطم صدرك هذا اعتراض على قضاء الله وقدره، يجب أن تكون مسلِّما”
  • الرد على الإعتراض الأول:
    قالوا ما زاد من الحزن على ثلاثة ايام فيه كراهة، ويستدلون بهذه الآية “لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم”.
    الجواب على ذلك: حينما يفقد الإنسان عزيزا ويعطل مصالحه وينوح ويبكي أكثر من ثلاثة أيام ولا يعمل هذا مكروه. لكن هذه جهة دنوية ولكننا حينما نحزن ونبكي على الحسين سلام الله عليه هذا ليس من جهة دنوية ولكن من الجهة الأُخروية، بعدم البكاء على الحسين عليه السلام نفوت علينا المنفعة والمصلحة. فجوابنا على الذي يعترض علينا: نحن حينما نقيم العزاء على سيد الشهداء طول العام هذا ليس من باب الجهة الدنوية، وانما من باب الجهة الأُخروية، لا نفوت على أنفسنا المصلحة والمنفعة، هناك تقرب إلى الله سبحانه وتعالى حينما نبكي على الحسين سلام الله عليه. ونسدل أيضا بالرواية التي بدأنا بها “ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب”.
    قد يقول البعض ان هذا كلام نظري ونريد أدلة واثباتات، نرد عليه من التاريخ، حينما نأتي إلى نبي الله آدم عليه السلام تحدثنا الروايات أنه بكى عندما أخرج من الجنة، وبكاؤه لم يكن يوما أو يومين، بل كان طويلا، ولا نجد خلال الروايات والآيات شيء يذم آدم عليه السلام على بكائه، لأن آدم عليه السلام لم يبكي على شيء دنيوي، كان يعيش القرب الإلهي مع الله سبحانه وتعالى، وكان بكاؤه حسرة على ابتعاده عن الله.
    وأيضا عندما نأتي إلى نبي الله يعقوب عليه السلام، يعقوب حينما افتقد ابنه يوسف عليه السلام، بكا ليلا ونهارا، لامه أبناءه على ذلك “قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين”، بكاء يعقوب عليه السلام ليس من باب دنيوي. ليس لأن يوسف ابنه كان يبكي، بل لأن يعقوب يعلم من هو يوسف عليه السلام، نبي، وتضييع يوسف يفوت على الناس المصلحة والمنفعة، من هنا بكى يعقوب على يوسف عليهما السلام، لأنه يعلم مقام النبوة، فابيضت عيناه من الحزن “وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم”.
    وبكاء الزهراء سلام الله عليها على أبيها، أقل الروايات عندنا انها بكت ٤٥ يوما وأكثرها ٦ أشهر على أبيها بعد وفاة ابيها، وفاطمة الزهراء عليها السلام معصومة، وبكاؤها ليس لأن رسول الله أباها، بل هي تعرف مقام النبي صلى الله عليه وآله، وهو أشرف الخلق، وعندنا رواية عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: :“إن أصبت بمصيبة في نفسك أو في مالك أو في ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه وآله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط” لا توجد أعظم من مصيبة فقدنا لرسول الله صلى الله عليه وآله،حتى أنهم اذا أرادوا ان يعظموا مصيبة قالوا انه كيوم الذي فيه مات رسول الله صلى الله عليه وآله.
  • الرد على الإعتراض الثاني:
    قالوا “البكاء اعتراض على قضاء الله وقدره، الله أجرى هذا على الإمام الحسين سلام الله عليه”
    نقول لا تعارض بين البكاء والتسليم، يمكن للإنسان أن يبكي ويحزن وهو يقول “إنا لله وإنا إليه راجعون” ونجد البعض لا يبكي ولا يحزن ولكنه يغضب ويخاطب الله بسوء أدب، يحتج على الله وهو ليس في حالة بكاء، خصوصا أن البكاء حالة نفسانية، كيف أن الله خلقنا وجبلنا على البكاء، ويحاسبنا عليه. والتاريخ يشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله حينما فقد ابنه قال “ان العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون”. وعندما فقد زوجته وعمه أبو طالب سمى ذلك العام بعام الحزن.
    كذلك الإمام الحسين عليه السلام بكى على أصحابه لكنه كان يقول “رضا بقضائك وتسليما لأمرك لا معبود سواك” “ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى، فإذن لا منافاة ولا تعارض، يمكن للإنسان أن يبكي دون أن يعترض على قضاء الله وقدره.

المحور الثاني: ثمار نهضة الإمام الحسين عليه السلام.
ماذا تقدم لنا هذه الشعائر الحسينية؟ ولماذا نصر على إحيائها؟ سنذكر ثلاثة أمور ولكنها تقدم لنا فوائد كثيرة.

أ. فوائد تربوية سلوكية.

لما جاءت هذه الجائحة ومنعت الكثير من حضور هذه المآتم افتقد الناس هذه المدرسة، منبر أبي عبد الله الحسين تترسخ فيه القيم والمبادئ، عندما تنظر إلى نهضة الإمام الحسين ما شاء الله فيها من القيم والمبادئ.

    1. التضحية فالحسين ضحى بكل ما يملك.
    2. الإيثار.
    3. الإحسان إلى الأعداء، الإمام الحسين سلام الله عليه كان يبكي للأعداء “أبكي لهؤلاء القوم الذين يدخلون النار بسببي”.
    4. قيم الإصلاح، كتب الإمام الحسين في وصيته لأخيه محمد “لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”

فمن خلال سماعنا لهذه العبر والمواعظ تنغرس القيم والمبائ وتتحول إلى سلوك تربوي عملي، يقول البعض أنه هناك من يحضر المأتم ويظلم الناس، أين ثمار هذه التربية؟ نقول له أنه لولا هذه المآتم وهذه النهضة لرأينا الظلم أكثر وأكثر، ليس كل من يدخل المأتم يكون معصوما، أليس في القرآن الكريم قيم ومبادئ؟ وأكثر الناس تقرأه؟ لكن كم من تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه.انت عندما تريد أن تقيس آثار نهضة الإمام الحسين قِس بين مجتمع إسلامي وبين المجتمعات الغربية، إذن النهضة الحسينية تقدم لنا تربية سلوكية.

ب. ترسيخ الولاء والإنتماء لأهل البيت سلام الله عليهم.

الدين ينقسم إلى قسمين، لدينا العقيدة ولدينا العبادات، الله واحد، محمد صلى الله عليه وآله رسول الله، الجنة، النار كلها عقائد، أما العبادات فهي مثلا الصلاة، الصوم، الحج وغيرها. أهم أهداق العبادات ترسيخ العقائد، الحج عندما تتمعن فيه ترى أنه يرسخ العبودية لله عز وجل، الصلاة كذلك، وبقية الأمور ترسخ العقائد، كذلك لطمنا على الصدر وبكاؤنا على الحسين وحضور المآتم، وإطعام الطعام، هذا ترسيخ لقعيدة الإنتماء والولاء لأهل البيت عليهم السلام.

جـ. النهضة الحسينية تتيح لنا الفرصة في احياء أمر أهل البيت سلام الله عليهم.

نحن من دون المأتم من  دون اللطم على الصدر من دون العزاء والبكاء، لم نحيي أمر أهل البيت سلام الله عليهم، والذي أكد عليه أئمتنا سلام الله عليهم، روي عن الإمام الصادق عليه السلام “أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا” ودعوة الإمام مستجابة لا تُرَد، وعنه أيضا “رحم الله عبدا اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما. وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر، فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا. وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا”.

سئل الإمام الرضا عليه السلام كيف يحيى أمركم؟ قال “يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا”. ويقول الإمام الصادق “من ذَكَرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمعٌ مثل جناح بعوضة ، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.” وكان الإمام السجاد يقول “أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى