١٤٤٣أحزان أهل البيت عليهم السلامتغطيات

“ارتقاء الإمام الحسن عليه السلام بالشيعة” ملا هادي الساعي | استشهاد الإمام الحسن عليه السلام | ٧ صَفَر ١٤٤٣هـ

ملا هادي الساعي
استشهاد الإمام الحسن عليه السلام
٧ صَفَر ١٤٤٣هـ
مأتم آل معراج

من أهم ثمرات صلح الإمام الحسن عليه السلام أنه كان سببا في ارتقاء الشيعة بمستوى تفكيرهم وارتقاء الشيعة بمعرفتهم العقائدية بأئمتهم صلوات الله عليهم أجمعين، وبيان ذلك أن المسائل العقائدية يمكن أن نقسمها إلى قسمين القسم الأول ما يجب فيه تكليفان اثنان والقسم الثاني ما يجب فيه تكليف واحد.

  • القسم الأول
    هو الذي يجب فيه تكليفان اثنان وهو في أصول الدين: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. هذه المسائل الاعتقادية الأصلية يجب فيها تكليفان بالنسبة للمؤمن، التكليف الأول هو تحصيل العلم القاطع الجازم بصحتها، يعني لا يكفي أن الإنسان يُسأل لماذا تعتقد بوحدانية الله عز وجل؟ فيقول: نشأت في بيت يعبد الله ويؤمن به ربا موجودا واحدا لا شريك له. هذا لا يكفي، بل لابد من تحصيل العلم بصحتها بشكل لا يقبل النقض، ولا يكون ظنًا يعني ما يصير شخص اعتقاده بوجود الإمام المهدي ٩٥٪، لا بد من تحصيل الجزم ١٠٠٪.
    ولا يشترط دليل بالعمق الذي يذكره الفقهاء والعلماء في كتبهم، كل شخص ومقدار معرفته، فذلك الرجل في الصحراء الذي يُسأل كيف عرفت بأن الله موجود؟ فيجيب بجواب عقلي بسيط ولكنه دليل على وجود الله عز وجل، يقول “الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع البصير؟” فالتكليف الأول هو تحصيل دليل قاطع بصحة هذه المعتقدات الخمسة.
    التكليف الثاني عقد القلب بها؛ لأن العلم وحده لا يكفي، “وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم” فلابد أن يضم إلى العلم إذعان، وهذا يسمى عقيدة الإيمان.
  • القسم الثاني
    هذا القسم يرتبط بباقي العقائد ما دون الأصول الخمسة، أو الأمور المرتبطة بها، مثلا بعض الأمور الجانبية المرتبطة بالعصمة، أما أصل العصمة يجب تحصيل العلم والاعتقاد به يقينا جازما، فحال الإنسان بعد الدنيا كمنكر ونكير وغيرها فهذه من الفروع، يكتفي الاعتقاد بها، لا يشترط تحصيل دليل جازم بها، بل يكفي العلم الإجمالي، ولهذا ورد عندنا في الرواية ” من سره أن يستكمل الايمان كله فليقل: القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا وفيما بلغني عنهم وفيما لم يبلغني.” فأنا معتقد بصحة ما صدر من أهل البيت وإن لم أعلم به، هذا في الأمور الفرعية، أما أن يقول أحدهم مثلا: أعتقد بصحة عدد الأئمة الذين ذكرهم النبي. هذا لا يكفي بل يجب أن يحصل على العلم التفصيلي في هذا الأمر.

إذن الاعتقاد بالإمامة من القسم الأول، فيجب تكليفان الأول تحصيل العلم الجازم، والثاني عقد القلب والإذعان به، الإمام الحسن أشار لهذا المعنى في روايته مع أبي سعيد لما أبو سعيد سأل الإمام عن سبب الصلح، فقال له الإمام: يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماما عليهم أبي عليه السلام؟ هنا الإمام الحسن أراد تثبيت أنه إمام منصب من الله مفترض الطاعة، فأجابه أبو سعيد، قال: بلى. ثم قال صلوات الله عليه: ألست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قال: بلى. فقال الإمام الحسن: فأنا إذن إمام لو قمت وأنا إمام إذ لو قعدت، يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل، يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب ان يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا.
فإذا قمت بالتكليفين فيما يرتبط بتشخيص الإمام والاعتقاد به واذا ثبتت عصمته في كل ما يصدر منه فيجب عليك التصديق والإذعان لكل ما يصدر من الإمام دون اعتراض ومناقشة، “لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون” ويجري في الإمام ما يجري على الله؛ لأنهم خلفاؤه في أرضه، فلا يحق للإنسان أن يعترض على إمامه، إذا عندك اعتراض على الإمام هذا اعتراض على من نصبه، ثم ما قيمة إدراكي في قبال إدراك الإمام المعصوم عليه السلام، الأئمة بلغوا من العلم ما بلغوا، في آية التطهير “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا” كبار العلماء يقولون أن الآية “في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون” المطهرون فيها هم أهل البيت الذين طهرهم الله تطهيرا.
فالإمام عليه السلام يقول ما دمت اعتقدت اعتقادا جازما بعلم صحيح واستدلال سليم على أن هذا الرجل المشخص هو إمام معصوم مفترض الطاعة، فلا يحق لك أن تعترض عليه، وإن لم تفهم وجه الحكمة من فعله، نعم، يحق لك أن تسأل سؤال استفسار، وإن شاء الإمام أن يجيب أجاب، وإن لم يشأ لم يجب، هو إليه تشخيص المصلحة.

فبعد توضيح ما سبق نقول: كما أن التخطيط لواقعة كربلاء وشهادة الإمام الحسين كان تخطيطا إلهيا من الله تبارك وتعالى، وهو معلوم في علمه ومدبر قبل إيجاد الخليقة، كذلك الأمر تماما بالنسبة إلى الإمام الحسن سلام الله عليه، صلحه مع معاوية كان مخططا له، ودبر له الله تبارك وتعالى، كما الأمر مع باقي الأئمة سلام الله عليهم، وكما قلنا سابقا نقلا عن الشيخ التستري عليه الرحمة أن للإمام الحسين عليه السلام تكليفان تكليف ظاهري وتكليف واقعي، كذلك الأمر بالنسبة للإمام الحسن عليه السلام.
تكليف الإمام الحسن الظاهري أنه عندما انقلب الجيش على أعقابهم وصارت الخيانة في صفوفه، ظاهر الأمر أن الإمام لا يأخذ بالناس إلى التهلكة، بل أن يحفظ الأرواح ويحقن الدماء مع عدم وجود الاستعداد لنصرة الإمام الحسن عليه السلام، أما التكليف الواقعي فكان في الصلح ثمار عظيمة لا بد منها، ولو لا هذا الصلح لما نتجت تلك الثمار.

  • الثمرة الأولى: الاهتمام بالجانب المادي.
    أتى شخص من الشام إلى المدينة فرأى الإمام الحسن سلام الله عليه على دابته، فسب الإمام وشتمه وسب الإمام علي عليه السلام، كيف وصل هذا الشخص إلى هذه الدرجة من البغض لأهل البيت عليهم السلام؟ لم يكن شيئا حصل في ليلة وضحاها، بل إلى الأمر تاريخ مرتبط بعمل اعلامي ممنهج خُطط له على مدى سنوات من استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن وصل الأمر إلى هذا الحد.
    هذا الشامي لم يرَ الإمام الحسن ولم يتلقِ به مسبقا في حياته، وأول ما رآه سب الإمام الحسن وسب أمير المؤمنين عليهما السلام، وكان الأمر عاديًا عنده، هذه المشكلة بحاجة إلى علاج، فإذا قام الإمام الحسن بالسيف وقُتل، لن يكون قادرا على علاج الدولة الإسلامية بعد ثلاث حروب مريرة خاضوها في زمن الإمام علي عليه السلام، فعالج الإمام الحسن ما في هذا الشامي بأن قال له “أيها الشيخ أظنك غريبا، ولعلك شبهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعا أشبعناك، وإن كنت عريانا كسوناك، وإن كنت محتاجا أغنيناك، وإن كنت طريدا آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لان لنا موضعا رحبا وجاها عريضا ومالا كثيرا”. فالإمام الحسن عليه السلام بين له مقدار كرمهم وسعة عطائهم، فما كان للشامي إلا أن بكى وقال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي.
    فالإمام الحسن كانت عنده فرصة أن يعيد تخطيط الأمور، وأن يرجعها إلى نصابها، يرجعهم إلى طريق أهل البيت سلام الله عليهم وكيف فيه صلاح الدين والدينا والآخرة.
    هذا من جانب من عبئ إعلاميا وفكريا ضد أهل البيت، أما الشيعة الذين تجرعوا الظلم والاضطهاد وغصب حق إلى درجة أن التاريخ يذكر الرجل في الشام كان يفضل أن يقال له زنديق على أن يقول له موالي لأهل البيت عليهم السلام، مُنع الشيعة من العطاء وعاشوا الذل، هنا أتى دور الإمام الحسن سلام الله عليه، كنا يغدق العطاء إذا أعطى، الإمام الحسن ورث بساتين من أبيه أمير المؤمنين صلوات الله عليهما كانت تدر أرباحا على أهل البيت، فكان كل سائل يأتي للإمام الحسن عليه السلام يُعطيه من قبل أن يسأل أصلا، ومن دون النظر إلى وجهه.
    الإمام الحسين لم يخرج إلا بعد عشر بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن عليهما السلام، انتهج منهج الإمام الحسن عليه السلام في تهيئة الشيعة؛ لأنهم مقبلون على أمر خطير، وبعد كل هذه التهيئة الرواية تقول “ارتد الناس بعد الحسين عليه السلام إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل و جبير بن مطعم، ثم إن الناس لحقوا وكثروا”، لو لم يكن هنالك اعداد مسبق من الإمام الحسن عليه السلام لما صار أن الناس لحقوا وكثروا، وابتعد الناس عن أهل البيت.
  • الثمرة الثانية: الارتقاء بمستوى الشيعة معرفتهم العقائدية.
    كل حجج الله تبارك وتعالى لهم هدف، وهو تكامل الإنسان، وكل حجة من حجج صلوات الله عليهم من أنبياء وأوصياء جرت في حياتهم أحداث كانت سببا لأن يرتفع الناس في مستوى اعتقادهم؛ انصدم الناس بعد ما صالح الإمام الحسن عليه السلام.
    في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله بعد غزوة بد التي يقول فيها الله “ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة”، بعدها كانت غزوة أحد التي شكلت صدمة عنيفة للمسلمين، بدون هذا النوع من الامتحانات التي خطط الله لها لن يرتقي الانسان في مستوى اعتقاده، وبعد غزوة أحد كانت سلسلة من الانتصارات للمسلمين إلى صلح الحديبية، بدل أن يدخلوا فاتحين هادن رسول الله صلى الله عليه وآله، صارت عندها الصدمة، أمر غريب على المسلمين، واعترض بعضهم على رسول الله صلى الله عليه وآله، صار ارتقاء في مستوى وعي المسلمين وإدراكهم وفكرهم.
    بعد شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وجرى على الزهراء ما جرى، وجلس أمير المؤمنين عليه السلام في داره قرابة ثلاثة عقود، هذا لم يكن عبطا، بل كان أمرا رفع من مستوى الشيعة إلى مستوى أعلى من التكامل والإيمان بأهل البيت.
    وفي زمن الإمام الكاظم عليه السلام غاب الإمام عن الشيعة على بعض الروايات ما يقارب ١٤ سنة في السجون، لم يكن الشيعة متعودين على ذلك، لكنه كان تمهيدا لغيبة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وفي استلام الإمام الجواد الإمامة وهو ابت سبع سنوات كانت صدمة، ولكن بعدما استلم الإمام المهدي عجل الله فرجه الإمامة وعمره خمس سنوات لم يكن هذا شيئا غريبا على الشيعة.
    ونأتي إلى زماننا هذا الذي وردت فيه الروايات مادحة لأهله فعن علي بن الحسين عليهما السلام ” تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة بعده، يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان؛ لان الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، أولئك المخلصون حقا، وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا”
    هذا المستوى لم يصل إليه أحد لولا امتحان غزوة أحد، لولا امتحان صلح الحديبية، لولا صبر أمير المؤمنين عليه السلام، لولا امتحان صلح الإمام الحسن عليه السلام، لولا امتحان نهضة الإمام الحسين عليه السلام، لولا امتحان غيبة الإمام الكاظم عليه السلام، لولا إمامة الإمام الجواد، تكامل الناس لا يمكن أن ينزل بشكل دفعي، الناس لا تتحمل، بل نزل بشكل تدريجي.
    وكل إمام يكون دوره مكملا لدور الإمام الذي سبقه في سبيل الارتقاء بالناس في سلم الكمال حتى يصلوا إلى المستوى الذي يريده الله للناس، بعد ذلك عند ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه يضع يده على رؤوس الناس فتكتمل عقولهم، هذا لا يأتي دفعة بل بعد عمل شاق قام به أهل البيت عليهم حتى يصل الناس إلى هذه الدرجة.

فلا بد أن نلتفت إلى مستوى وعينا، فلا نعود به إلى ما قبل ١٤٠٠ سنة، أهل البيت عليهم السلام أوصلونا إلى مستوى لابد أن نحافظ عليه، الإمام المعصوم لا يُناقش، فإذا وردت رواية وجدت فيها غرابة لا أكون مثل بعض من كان مع الإمام الحسن عليه السلام، لا أضيع على نفسي الاستفادة من امتحان صلح الإمام الحسن عليه السلام، لا أضيع على نفسي جهود الأئمة المعصومين صلوات الله عليه أجمعين، تمحيص الروايات يكون للفقيه الذي صرف عمره في قراءة الروايات وفهم معانيها وبيان ما أراده الإمام المعصوم عليه السلام.
هذا ما أراده الإمام الحسن عليه السلام، أن نلتفت إلى كيفية تعاملنا مع أهل البيت عليهم السلام، علينا أن نرجع إلى كلام الإمام الحسن، هل نحن عندنا اعتقاد جازم قاطع بإمامتهم عليهم السلام؟ إذا كانت الإجابة نعم تنتهي القضية هنا، وإذا كانت لا علينا أن نراجع أنفسنا، لماذا ليس عندنا اعتقاد جازم بولايتهم عليهم السلام؟ فحتى تعرف أن الإمام الحسن عليه السلام كيف كان رسول الله دقيقا في عبارته عندما قال “الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا”، فالإمام الحسن قام بالسيف، ثم قعد، والإمام الحسن قعد، ثم قام بالسيف؛ لأنه دور إلهي، بتخطيط من الله، أوكل لأهل البيت للارتقاء بالناس تمهيدا لارتقاء أعظم لما سيقوم به الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، هذه هي عظمة الإمام الحسن عليه السلام، وهكذا يُفهم صلح الإمام الحسن عليه السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى